يرن هاتف موسى بعد أن وصل القطار إلى العرائش ، رقم مجهول يتصل ، يتردد في الإجابة إلا أن إصرار صاحب الرقم دفعه إلى فك طلاسم الخط ، فياليته لم ينتبه إليه وترك الرقم يرن هادئا ثم انصرف من تلقاء نفسه . إنها الرصاصة التي اغتالت كبرياءه .

فتح الخط ، صوت نسائي يحدثه .

- من معي ؟

- الأجدر أن لاتعلم من معك ، أريد أن أحدثك بما يقع الآن في منزلك.

تنهد وانتفض الغضب من بين يديه ، تملكته الحيرة ونسج الشرود خيوطه في معرض التفكير. ثم قال :

- من تكوني؟ هل أعرفك يا امرأة؟

- فاعلة خير تريد الإصلاح ما استطاعت فلا يهم إن كنت تعرفني أم لا.

نجم خر من سماء وصرح آل إلى سقوط بعد عشرين سنة. لم يكن بحاجة إلى تلويث يده بدماء نتنة آثرت الغدر والطعن من خلف الحجاب، لتنقلب إلى جلمود صخر في محضر سيد المنطقة، الذي سيقضي ما تبقى من عمره بين جدران السجن.

إنها العبثية التي يتخبط فيها أصحاب النوايا الحسنة على قدر إصلاحهم الشيطاني، بل كثير من يترصد سبل الهدم كي يهدم عرش الأسر من أول فتنة تصيب ذا أو ذاك .

عمت قلوبهم الأحقاد والتباغض بثمن بخس دراهم معدودة. قذفتهم المنايا في مكان سحيق وفاضت أرواحهم إلى عرش من جحيم تذروه رياح الغدر والخيانة.

كم كان شديد التعلق بزوجته حد الجنون، فرغم وقوعها في فخ الرذيلة والخيانة ما استكان لضعفه وانقاد لهزيمته. ما كان ليعذبها أو يقتلها ، قيده العشق كما يقيد الراع جمله وكما يخاطب القمر ود الشمس.

لقد فكر في الانتقام بصورة أخرى غير القتل إلا أن الكلاب ما فتئوا يذكرون مساوئ زوجته إلى أن اشتعل غضبه خاصة بعد علمه بمن يقف وراء هذه الطعنة " عمار " الذي غوى بنجاة.

ينتظر المحطة القادمة بلهفة كي يعود أدراجه ، إلا الشرف على حد قول " فتوح " . الأعراض ها هنا منتهكة بصورة لا تخطر ببال أحد . لا أحد يحمي الساكنة فهم مجرد صدى على هامش التاريخ ولا فرمان يقطع دابر الأنجاس الذين عاثوا في المنطقة الفساد و أرعبوا البلاد والعباد .

لا شغل للعدالة سوى التغزل بثغر التاريخ وتقبيل خدود إبليس . ألقوا القبض على كل حلم و قيدوا كل حر، الوقت مناسب للقصاص من الشباب وكبح طاقاتهم كما هو مناسب لترك الأوغاد أحرارا .

تنتهك الأعراض على مرآى ومسمع من الناس ولا أحد يحرك ساكنا ، فالجميع هنا خائف وقد قصم ظهرهم الرعب، ومن لا يخاف على نفسه يجدر به الخوف على أبنائه ووالديه .

ذمم تشترى هنا وهناك ورغيف خبز يكبت نداء الحرية وينفي مواقفهم إلى ساحة الصمت أبدا. لا شغل للحق في ساحة الباطل سوى الانسلال والتواري خلف حجب البهتان التي جعلت أفق التطلع إلى الشروق أمرا مستحيلا .

رضى ميقبال ، لصوص أبرياء ، عبد الرحمن في زمن المخاض ، الصفحة 10 -11