في ميناء درنة:

مرت أسابيع وحمودة يذهب للميناء ويحقق نجاحا وتقدما حتى أصبح رئيس عمال فى شركة الشيخ صهيب، أهم شخصية فى الميناء والمسيطر على حركة السفن وصاحب أكبر تجارة مشروعة وغير مشروعة، لا يستطيع أحد أن يرفض تنفيذ أمره.

دخل الشيخ صهيب الميناء بسيارته ذات الموديل غالي الثمن، يرتدي عباءة من الحرير الخالص وتفوح منه رائحة أغلى أنواع العطور العالمية، ألقى بالتحية على الجميع، صوب بصره على حمودة، بلهجة ليبية عامية ناداه.

كانت هذه هي اللحظة التي ينتظرها صفوت منذ أول يوم لامست قدماه أرض درنة.

- اقتربت من تحقيق حلمك يا شيخ صفوت.. أصبحت الشخص المقرب من أهم شخصية مهمة ومؤثرة.. الشيخ صهيب.. حانت اللحظة التي يجب أن يعلم فيها مع أي رجل يتعامل.. إنها فرصتي لآخذ مكانتي التي أحلم بها.. هكذا حدث صفوت نفسه.

تقدم فى خطوات بطيئة متظاهرا بالإرهاق من شدة العمل، ألقى عليه التحية، بكل ثقة طلب منه أن يجتمع معه منفردا لأهمية الكلام الذى سوف يقال.

جحظت عين الشيخ صهيب، حدق فى حمودة طويلا، فعاجله حمودة بقوله:

- لن تندم.. سوف تستطيع أن ترفع من كفاءة رجالك القتالية.

فأشار إليه بيديه أن يصمت وأمره أن يدخل خلفه إلى غرفته مباشرة.

لم يدع حمودة الفرصة تفلت من يديه..فما أن دخلا الغرفة وأصبحا بمفردهما عاجله قائلا:

- الكل يعلم مكانتك وأنك الرجل الثاني.. والحقيقة أنك الرجل الأول.. لأنك دائما فى المواجهة.. الكل يعلم شخصيتك جيدا ويحفظ ملامحك.. وإن انقلبت الأوضاع وحدثت أمور غير متوقعة ستكون أنت من يدفع الثمن باهظا وليس أبو حذيفة.

نظر له بحدة.. وقال غاضبا:

- كيف تتكلم معي هكذا؟.

نظر إليه بتحد:

- لا مجال لإنكار حقيقتك أمامي.. فأنا يمكن أن أثبت كل كلمة أقولها بالأوراق والصور.. فأنا هنا لمراقبتك.

أخذ نفسا عميقا.. لم يفلح فى إخفاء حنقه.. وقال:

– تراقبنى أنا!! .. من تكون أنت؟.. من يستطيع أن يتحداني.

بهدوء:

- لا تتعجل معرفة من أكون.. لكن انتبه لنصيحتي جيدا.

محاولا أن يكظم غضبه:

- ماذا تقصد من كلامك.. إنه غير واضح.. لم أفهمه.

ابتسم ابتسامة المنتصر:

- أنت تعلم أن تحصينات نقاط التفتيش ضعيفة وتحتاج إلى تدعيم.. والقدرة القتالية عند جنودك ضعيفة ينقصها الكثير من التدريب.. إنهم غير معتادين على القتال فى الصحراء.

نظر إليه وعلامات التعجب والدهشة ظاهرة عليه:

- كيف عرفت هذا؟.. أنت عامل فى الميناء.. وكنت من قبل صيادا فاشلا.

لمعت عيناه وانتفخت أوداجه:

- أنا أمهر صياد فى هذا الساحل.. أعرف متى ألقي بشباكي على الضحية.

نظر إليه بسخرية:

- هل أنا ضحيتك؟

بضحكة عالية:

- شيخنا الكبير.. لا يمكن أن تكون أنت ضحيتي بل أنت قائدي وملهمي.

ظهرت عليه علامات الحيرة ودارت تساؤلات كثيرة فى ذهنه:

- أعتقد أنك قد أضعت وقتي.. شغلتني عن عملي.. أنسيتني الذي حضرت هنا من أجله.

ارتسمت على وجهه علامات الجدية:

- شيخنا.. لقد قلت لك إنك قائدي وملهمي وأطلب منك الأمان.. فأنا أحد رجالك المخلصين.. سوف أؤكد لك بالفعل صدق كلامي.

 ارتسمت على وجهه علامات الغضب:

- هات ما عندك.. لا تعطني معلومات ناقصة.. تكلم مرة واحدة.. أنا أسمعك.

بهدوء وثقة:

- لم تعطني الأمان بعد..( بتقطيع للكلمات).. ثم عليك أن تعدني بمكانة مميزة معكم.

نظر إليه عاقدا ما بين حاجبيه:

- يبدو أنك من الطامعين.

ابتسم بلا مبالاه:

- أنا فقط سوف أجعل منكم دولة وجيشا منظما وليس تنظيما يتبع تعليمات بعض رجال المخابرات.