شبّابة الحطوار
تقع شبابة السّبع في نحو 300 صفحة، وهي الرواية الأولى لصديقي الأقرب محمد الحطوار. هنالك الكثير مما يجب قوله حولها لكنني أفضل أن أبدأ بالحديث عن رحلة هذا الإنجاز. شهدت هذه الرحلة منذ منتصفها تقريباً، أي منذ 2015، حين أخبرني الحطوار، في دردشة واتس، بأنه كتب رواية ثمّ تخلّص من المسودّة ويفكّر بأن يعيد تشييدها من جديد. لم أكن قد التقيته واقعياً ولم أكن قد بدأت أهتم بفن الرواية، لكنني كنت أدرك على الأقل أن إنجاز رواية يتطلب مجهوداً كبيراً. استغربت حديث الحطوار يومها واعتبرته مجرّد مبالغة: لعلّ الرّجل خزّن بقات سيء.
انقطع تواصلي مع الحطوار من حينها لسنتين تقريباً. نزحت إلى مأرب وظل هو في يريم. وفي ليلة رمضانية في العام 2018، كنت نشرت لتوّي روايتي الأولى "سوار النّبي"، اتصل بي ليخبرني أنه صار في مأرب ويود أن نلتقي. التقينا تلك الليلة وخزنّا معاً. دار حديثنا كله حول فنّ الرواية. أكّد لي ليلتها أنه بالفعل حذف مسودّة روايته وبدأ في إعادة بنائها بالشكل الذي يرضيه، لكنه توقف منذ مدّة في المنتصف ولا نيّة له في العودة لإتمامها. ولم أراجعه في الأمر حينها.
طوال العام 2019 اعتكفت على كتابة معراج، روايتي الثانية. ولأن الحطوار صديقي الوحيد في مأرب مهووس مثلي بعالم الرواية، بقيت أتصل به لنخزن سوياً كلما شعرت بالحاجة للهروب من ضغط الكتابة، أو كلما شعرت بأنها باتت مجرد روتين. أطلعه على المشاكل التي أواجهها وأقرأ عليه بعض ما كتبت. وأخذت ألح عليه أن يعود لإتمام روايته.
إنه يخاف ذلك. كلما تذكر الجهد الّذي تطلّبه منه الجزء المنجز يشعر بالذعر من إمكانية العودة لنزيف الروح والجسد على ذلك النّحو. وربما فقط ليتخلص من إصراري اقتنع أخيراً بالعودة للاشتغال على روايته. وكان ذلك أكبر محفزاتي لإتمام معراج.
في معرض استهجانه الربط بين الجهد المبذول في إنجاز العمل ومستوى جودته يقول إدغار آلان بو: العبقرية شيء وبذل الجهد شيء آخر. أتفق معه كثيراً لكنني أجزم أيضاً أن الجودة غالباً ما تستلزم بذل الكثير من الجهد. والحقيقة أن الحطوار تعب كثيراً من أجل إنجاز "شبّابة السّبع"، هذا العمل الروائي الجيّد.
من خلال ثلاث شخصيات رئيسية معذّبة حد الاختلال النفسي "ذو المحبّة، عنقود، شبّابة"، الشخصيات التي تتناوب السرد في كل فصول الرواية (ذو المحبّة أكثرها حضوراً، هو الشخصية المحوريّة، مصاب بالانفصام)، وفي مسرح موزّع بين القرية وصنعاء، وفي مدى زمني يستغرق سبعة أيام، منذ الخامس والعشرين من مارس 2015 إلى 31 من الشهر نفسه، تنطلق هذه الشخصيات في محاورات طاحنة هي أشبه بحفريات في النظام الاجتماعي اليمني، الديني، السياسي، وتتطرق بتلقائية لمواضيع فلسفية عديدة. في مواضع كثيرة من الرواية تجد استطراداً واسعاً تشعر كقارئ أنه كان بالإمكان الإجهاز عليه بجمل قليلة، أو حتى تجاوزه، لكنك ستتذكر أن المتحدثين شخصيات ليست سويّة، بل مسحوقة برحى الواقع الاجتماعي الطاحن، فيصير الاستطراد الجنوني ذاك طبيعياً ومنطقياً. ستقتنع بأنها شخصيات مجنونة ثمّ ستقف على إفصاحات خاطفة باهرة فتغّير رأيك بأنها شخصيات عبقرية أنضجتها خبرتها الطويلة في اجتراع الآلام. من أهم ميزات السرد قدرته على الانتقال السلس بين مواضيع متباعدة.
بجملة واحدة: شبابة السّبع بناء هائل من تفاصيل مختلف أصعدة الحياة اليمنية. رواية تعادل حياة.
اعتمد الأسلوب غالباً الجمل القصيرة.
أثناء قراءتي شبّابة السّبع سجّلت العديد من الاقتباسات منها:
"الكتابة صديق يسمع كما أن القراءة صديق يحكي".
"ما هو الإنسان إن لم يتحدث؟!".
"الخوف يشجّع المترددين للبت في شؤونهم".
"التفكير حدث كتابي. لو أني لا أكتب لما فكرت".
"الحب يستلذ الدموع، يسكر بها".
"الحب هو من يجعلنا نؤمن بالوهم".
"أكذب السياسيين أعلاهم منزلة".
"الانعزال سرّ كلّ بقاء".
بقلم: عبد الله شروح