من مِنا لم يتساءل عن معنى حياته وسر وجوده، اعتقد أنه تساؤل أقرب إلى أن يكون سؤلا فلسفيًا من أن يكون سؤالا عاديًا.

قبل فترة ليست بالقريبة قرأت رواية الشحاذ لنجيب محفوظ. لفت نظري التساؤل الذي طرحته الرواية وهو أين مكمن الحياة الذي يبني عليه الإنسان حياته؟ يبدو أنه تساؤل كبير يحمل في طيّاته مغزى كبير يحتاج منا إلى الجلوس بينا وبين أنفسنا للاجابة عنه.

رواية الشحاذ تتحدث عن الإفلاس المعنوي، يبدو أن هذه كلمة كبيرة وواسعة وقد تعني الكثير. لكننا هنا نتحدث من منظور صديقنا عمر بطل رواية الشحاذ لنجيب محفوظ. صديقنا ليس شحاذاً بمعني الكلمة الحرفي، وإنما غنياً، غناء فاحش. كان محامياً من أكبر محامي مصر. وتوكل إليه أكبر القضايا، لكنه كان يشعر بالخواء دوماً.

صديقنا أخذ يبحث عن معني لحياته، وما يفعله. أخذ يبحث عن الحقيقة المطلقة. لكنه أخذ في الإنحدار، وأخذ يشعر بالإفلاس المعنوي. أخذ يشعر أنه يجرد من كل مشاعره الحقيقية. 

لم يكن يبحث بهذه الليلة عن المال، أو الجاه، لكنه يبحث عن الحقيقة. لا يعرف ما هي، ولهذا يبحث عنها.

 ذات مرة خرج إلي الصحراء، وسمع الفجر يتكلم، ورأي وردة فتاة الليل وانعكاسات شعرها الذهبي علي ضوء القمر. أخذ ينحدر شيئاً فشيئاً، لكن يصاحب هذا الانحدار خدر لذيذ فاستمر في الانحدار. وأخذت الدوامة تسحبه رويداً رويداً..حتي خرج عثمان صديقه من السجن.

أخبره عثمان أن كل سنواته التي ضاعت خلف قضبان السجن لم تضع بلا فائدة. لكن كل سنوات عمر التي ضاعت، وستضيع ستكون بلا فائدة. بلا نتيجة.

لكن عمر لم يتوقف حتي بدأ يري خيالات، وبدأ يري تخاريف. ولم يكن يهتم إلا لأنه لم يعد يسمع الفجر يتكلم من جديد. 

برأيي لا وجود للحقيقة المطلقة بهذه الدنيا فكل شيء نسبي . لا حقيقة مطلقة إلا دوام وجه الله. إن بحثت عن حقيقة بأي شيء آخر أخذت في الإنحدار، والتخاريف كما فعل صديقنا عمر.

وإن بحثت عن ركن ركين تستند إليه فلن تجد سوي الله، وما فعله عمر غير ذلك فانتهي الأمر به بتلك الدوامة التي لن تنتهي أبداً، ولن يخرج منها غالباً.

ما تجربتك مع الإفلاس المعنوي؟ وهل سلكت درباً من قبل، واكتشفت بالنهاية أنه يؤدي للاشيء؟