-"اجلس" قالها الكهل بصوت مبحوح، "اجلس يا بني ودعني أحكي لك قصة من غابر الزمان".

-"رجاءً يا جدي" صرخ الحفيد الملول، "ليس المزيد من قصص حياتكم قبل أن تعرفوا الـHover-boards!!".

-"اطمئن، لدي لك اليوم قصة مشوقة، وهي أقرب إليك وإلى أفكارك كونها حصلت على الإنترنت...".

-"لكن، ما هو الإنترنت؟!".

-"آه، الإنترنت يا بني كان شبكة التواصل بين البشر في يوم من الأيام، كان الإنترنت شبكة بطيئة عتيقة مليئة بالعلل، لكنه كان يعمل بشكل جيد قبل أن يُخترع هذا الشيء الجديد الذي تستخدمونه الآن، ماذا تسمونه...؟"

-"الثقوب الدودية؟!".

-"نعم، نعم هذه هي...".

-"لكننا لم نخترع الثقوب الدودية، نحن فقط تعلمنا كيف ننشؤها...".

-"دعك من الثرثرة يا فتى! ولتسمع القصة قبل أن أنساها -أظن أنني نسيت أجزاءً منها بالفعل- على كل حال...

كان هناك على الانترنت مواقع لكل شيء تقريبًا، مواقع للتواصل، ومواقع للعب، ومواقع للأخبار، ومواقع لإضاعة الوقت، ومواقع لبيع المنتجات والخدمات وحتى البشر! كل شيء بمعنى كل شيء... إلا أن جميع هذه المواقع كان ينقصها شيء ما...

كان ما ينقص مستخدمي الإنترنت هو موقع ليناقشوا عبره أفكارهم، قضاياهم بدون مجاملات مواقع التواصل، بجديّة، بحيادية، ودون أن يتلقوا تهديدات بالقتل.

عندها هب شباب مبرمجون لنجدتهم..."

-"جدي، من هم المبرمجون؟؟"

-"[يتنهد بشدة قائلاً: أولاد هذا الزمن، ألم تتعلموا الأدب...]، المبرمجون يا بني هم أشخاص يستطيعون تعليم الحاسوب مهام معينة ليقوم بها عنهم..."

-"ولم لا يقومون بها بأنفسهم، ألم تكن لديكم دارات معزِّزة تلك الأيام؟!".

-"لا! الآن رجاءً دعني أكمل...

ماذا كنتُ أقول؟

آه، الآن تذكرت...

في ذلك الموقع كان هناك تجمع لكل موضوع معين، فهناك تجد تجمعًا للمهتمين بالفن، وهنا للمهتمين بمسلسل السيد الرجل الآلي، وهناك تجمعًا لمحبي البطاطا المهروسة.

لكن فئة من رواد الموقع لم يعجبهم الوضع، كان يتحول ببطئ لموقع رتيب آخر، لا إبداع فيه ولا روح، رابط هنا ورابط هناك... فلان يعلن انسلاخه عن الملة الفلانية، وفرتكان يعلن وفاة قطته المحبوبة، وآخر يبيع شفاطاته التي اشتراها -مثل كريستوفر المسكين في فلم السعي للسعادة- آملًا في أن يصبح مليونير عصره، ليكتشف فيما بعد أن الحمامات عندهم جميعها "بلدي"... ما علينا.

استمر الوضع بهذه الرتابة حتى تجمع هؤلاء الأعضاء في منتصف إحدى الليالي، وقام يخطب فيهم أكبرهم سنًا فقال: (إلى متى نرضى بهذه المهزلة، جميع المحتوى هنا يفتقر للإبداع، مواضيع رتيبة، ورابط سبامية\سخامية، ونحن هنا نتفاكر في الأمر كأننا بوم أو خفافيش لم تجد ما تأكله...).

هنا قاطعه أحدهم -أو ربما كانت فتاة، لا أذكر- وقالت: (هذه هي! إنها الثانية بعد منتصف الليل، وجميعنا هنا في أفضل حالاتنا الفكرية -حسنًا ما عدى يادوها المنتشي بمتابعة الإنمي...ما علينا-. فقط بعد منتصف الليل تنشط قوانا ويبرز إبداعنا، تمامًا كما لو كنا بومًا أو خفافيش!).

هنا قفز يادوها من أمام شاشته، وقام بإنزال شاشة مشغل الفيديو للأسفل ليكتب معلقًا على المحادثة: (هل تفكرون بما أفكر فيه؟ حان وقت إنشاء مجتمع جديد!).

كان المجتمع مليئًا بالحياة أول أيامه، كان فيه شباب يشاهدون أنمي شوجو، وفتيات يستمعن للميتال والهاردروك، ويقال أن إحداهن كانت مناصرة للمشعوذة السيدة جوجو لكنها تظل إشاعات لا أساس لها من الصحة. كما كان فيه كهول في أجساد شباب، يقومون على إدارة المجتمع بحزم، وهم يصرخون هنا وهناك: (لا تنشر قبل الثانية عشر منتصف الليل!).

كان فيه شباب وفتيات حائرون يبحثون عن معنى الحياة، وآخرون يبحثون عن شخص جديد ليترصدوا به.

كان فيه أطفال يريدون حلاوة شكلاطة من الدكان في الشارع المقابل، وآخرون يريدون تعلم لغة برمجة ومنافسة الفيس بوك..."

-"هل تقصد الفيس بوك الأسطوري الذي كان له في يوم من الأيام مليار مشترك حتى حدثت الكارثة و..."

-"نعم، هو بذاته. الآن بالعودة إلى قصتنا، هل تعلم ماذا كان أميز شيء في هذا المجتمع؟ اسمه. لقد روى المؤرخون أن المؤسسَين الأولَين يوزيدا -الأول من حمل هذا الاسم في عصره- و أونوسا -الثاني من حملة اسمه- قام بنحت الاسم بصعوبة شديدة بعد ليال مضنية وأكثر من 36 ساعة بدون نوم، ليخرجوا لنا بالاسم الأسطورة: البوفيش. "

-"لكن، ماذا كان مصير هذا المجتمع يا جدي؟"

-"لا شيء مهمًا، فقط تعلموا كيف ينامون قبل منتصف الليل، وبوم!

اختفى أعظم مجتمع مرّ على الإنترنت منذ نشأته.

إن الحسرة يا بني لا تكمن في أنه لا شيء يسمى البوفيش بعد اليوم، الحسرة الحقيقة هي أنني تعبت وكدحت وخسرت حوالي ألف نقطة فقط في المشاركة في بؤرة الخفافيش تلك، لكن أحدًا لم يُعِر مجهودات جدك انتباهًا اعتبارًا :'( "

وفجأة سكت الجد أوهميدا وتوقف عن الحركة، وبدأ لون جسده يشحب وشفتاه تزرقان، عندها تنهد الحفيد قائلًا:

Phew، اعتقدت أنه لن يسكت أبدًا...

وذهب الحفيد للنوم، وترك جده في مكانه، ويقال أنه لاحقًا تلك الليلة، شاهد بعض سكان المجرة ألفا 6 طائرًا يشبه في صفته العنقاء الموصوفة في كتب الأساطير ، حطت في موضع الجد أوهميدا وطارت، وقد أكد بعض شهود العيان أنها كانت تحمل وشمًا على ساقها الأيسر يقول:

Boficher bird,  subsidiary of Hsoub.

النهاية.