الغلو شر كله . غلو في الأفكار ،في الأشخاص في الأماكن . أخطرها الغلو في التعصب الذي يصادر العقول والإرادة و الخيارات ... تطرف بما أنه يعطل الحريات فهو محاولة مصرة لتجاوز حدود العدل والإقتصاد . الفرق التي تنطوي على قيمها أو لنقل محدداتها الثقافية والعقدية و ترفض أي صوت لعقل مخالف ، او كما يقول مصطفى مشهور :من صور الإنحراف : تبني أفكار أو أفهام فيها مخالفة صريحة للفهم الصحيح .وكثير ما يحدث التشدد أيضا في تحديد هذا الفهم الصحيح .... إذ هي محددة منظومتها العقابية والتي تصل درجة الإخراج من الجماعة وهذا مبرر لكثير من العنف تجاه الآخر . انحسار الفرق والمذهبيات على نفسها ،يولد لديها كبر و مزاعم إمتلاكها للحقيقة و كل خروج عن منهجها هو إعلان حرب عليها مركزة على منهج : الولاء السلبي " إتبع ولا تنتقد " في محاولة بائسة لتشكيل فكر القطيع ...كثيرة هي الفرق والجماعات التي تنسى رسالتها الأولى : العمران هو بناء الإنسان الحر ،إنسان يستعمل عقله في إرادة الفعل .في الحديث ( لا تسبوا الأئمة ،وادعو الله لهم بالصلاح ،فإن صلاحهم لكم صلاح ) لا تقديس يرفعهم على مستوى الناس ،سمع وطاعة بتعقل المدركات من علمهم و كتبهم ورسائلهم .كل يؤخد من كلامه ويرد إلا صاحب هذا القبر كما قال مالك. وربما فساد السياسة بتشويه الحقيقة من النخب المأجورة التي تبرر للحاكم سيل من الفتن و التآمر على العقل .وثراتنا مليئ بصور المحن التي صارع فيها العقل قوى الجهل .و قال مكي بن إبراهيم : كنا عند ابن عون فذكروا بلال بن أبي بردة ،فجعلوا يلعنونه ويقعون فيه ،وابن عون ساكت .قالوا يابن عون إنما تدكره لما ارتكب منك .فقال: انما هما كلمتان تخرجان من صفحتي يوم القيامة ( لا إله إلا الله ) و(لعن الله فلان ) فلأن تخرج من صفحتي لا إله إلا الله أحب إلي من أن يخرج منها لعن الله فلانا .انتهى كلام محمد زكرياء الكاندهلوي .وكان النص الذي يرويه ابن مسعود ( هلك المتنطعون ،هلك المتنطعون ،هلك المتنطعون ) التنطع تجاوز حد الإعتدال .وجاء فيه : المتنطعون : المتعمقون الذين يخرجون عن حد الإتزان .و قال النووي : المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في الأقوال والأفعال . و يكتب ايضا ابو زيد المقرئ الإدريسي المغربي : الغلو ظاهرة نتاج ثراتنا السلبي وان الأمة لا تعاني الغلو الديني فقط بل أشكال متداخلة من الغلو الإجتماعي ،الثقافي ،الأمني و الغلو الإيديولوجي ،ويلمح لنقطة رائعة : غلبة مفهوم التعصب عن مفهوم المواطنة .
التشدد حتى في الإتيان من الشهوات ،يطفئ نور النفس المطمئنة ،بإختلال توازن التصور الذي يغرق في أوهام التبرير ....الغلو غالبا ما ينقلب إلى النقيض .في حكاية رمزية لجبران أن أحد المؤمنين و آخر ملحد صعد جبلا و تلاحيا ،حين نزلا من الجبل صار الملحد مؤمنا والمؤمن ملحدا .الحكمة لا تتشدد و لا تكره أحدا على فكرة أو سلوك الغلو يدفع إلى الشذوذ ...
بعلي جمال