من الأمور التى يجب التنويه إليها قبل ذكر العلاقة بين الفلسفة الوجودية وبين اللااكتراثية
هو معنى ومفهوم القلق الوجودى او الخوف الكونى ،،
ولكى نوضح ذلك لا بد من بيان عدة أمور ،، لو نظرنا إلى أى علم من العلوم أو عمل من الأعمال لوجدنا انه ما كان ليوجد أصلا إلا ليحارب نوع من الخوف أو القلق ويحقق نوعا من الأمن والاستقرار ،،
فمثلا لو تأملنا العلوم العسكرية والحربية لوجدناها تتجه لبيان كيفية محاربة الأعداء من البشر والطامعين منهم و الذين يشكلون نوعا من القلق والخوف يهددان استقرار المجتمعات ،،
لذلك تحرص كل الأمم على إتخاذ الجيوش وبناء المعسكرات لتحقيق هذا الغرض فيما يعرف بتحقيق الأمن القومى أو العسكرى ،،
وأيضا لو نظرنا إلى العلوم الطبية لوجدناها تحقق هذا المعنى ولكن بنحو آخر فهذه العلوم الطبية ما وجدت إلا لمساعدة الإنسان فى مقاومة العلل و الأمراض التي يخاف منها الإنسان وتسبب خطرا على حياته وهذا ما يسمى ويعرف بتحقيق الأمن الصحى ،،
وأيضا لو نظرنا إلى العلوم الزراعية والاقتصادية لوجدناها أيضا تهدف لمحاربة الجوع الذى يخاف الإنسان من وقوعه ويحسب له ألف حساب ويحاول اتخاذ التدابير والإجرائات خوفا من وقوعه ونزوله بالإنسان ثم تحقيق نوع من الأمن يعرف بالأمن الغذائي ،،
وهكذا فقس فى سائر العلوم والمعارف والاعمال والصناعات كلها تهدف لتحقيق هذا المعنى وإتمام هذا العرض ولكن
كل بما يلائم مجاله ويتوافق معه ،،
وهنا نعود إلى الإنسان بما هو إنسان لوجدناه يعرف يقينا أنه قبل ميلاده لم يكن يحظى بأى نوع من الوجود أو التحقق بل كان محض اللاشئ ثم إنه بعد فترة يفنى ويموت ومن هنا يلاحظ الإنسان أنه ممكن الوجود بمعنى أن وجوده ليس ذاتيا له فهو قد يوجد وقد يعدم فهو لا يملك وجوده ثم إنه إذا لاحظ هذا العالم الذى يعيش فيه لوجده بكل ما فيه من موجودات متغيرا ومتقلبا زائلا ويسبق وجوده عدمه تماما كالإنسان فهو أيضا ممكن الوجود لا يملك وجوده ،،
ومن ثم فوجود العالم ووجود الإنسان وبقاء وجودهما يبقى محل أشكال وقلق بل قلق وخوف من أصعب انواع القلق خوف العدم والفناء ،،
فما هى الضمانة لوجود العالم ووجود الإنسان وما هى الضمانة التى تضمن حفظه واستمرار نظامه وعدم انهياره او زواله فى أى لحظة من اللحظات وما هى الضمانة لاستمرار خصائص الأشياء على ماهى عليه وقل مثل هذا فى الانسان ،،
ثم إن الإنسان والكون يتغيران باستمرار وهناك مستقبل آت وماض زائل فما فمن يضمن لنا أن يكون ما فى المستقبل المجهول هو الخير،،
من الذى يضمن أن تكون اللحظة القادمة أفضل من الحالية أو تساويها فى الخيرية و ليست بأسوء كثيراً،، ثم إن الإنسان يموت ومن يموت ينتقل إلى المجهول و لا يعود فماذا بعد الموت هل هناك عالم آخر أفضل من هذا العالم أم الموت هو الفناء المحض والعدم المرعب الرهيب أم هو انتقال إلى عذاب أبدى لامتناهى ،،
هذا بالإضافة إلى أن الإنسان له القدرة على الاختيار بمعنى أنه يمكن يختار بين بديلين فمن يضمن له أن اختياره الذى اختاره هو الصحيح الذى سيجلب الخير له من يضمن له أن النظام الذى ارتضاه واختاره لتسييرحياته وتنظيم شؤؤنها وسار وفقه هو الأفضل له ولن يجلب له الويلات والهلاك فيما بعد ،،
كل ذلك يمثل رعبا وخوفا لدى الإنسان رعبا وخوفا بالمعنى الحرفى للكلمة يسمى بالرعب الكونى أو القلق الوجودى ثم إن ذلك الخوف يولد نوع من التساؤلات العميقة لأنفس تتوق إلى الأمان لكن هذا النوع من الأمن أمن عام وشامل ويسمى بالأمن الوجودى ،،
و من هنا كانت وظيفة الأديان والفلسفات والعقائد كلها تحاول أن تعطى طرحا يعالج هذه القضايا المصيرية الكبري ومحاولةً التغلب على هذه المخاوف الإنسانية العميقة بوضع نظرية متكاملة فيها ،،
و مما ينبغي أن يعلم أن العقائد والفلسفات مثل الخرائط كلها تعطى تصورا مختلفا للوجود وطريقا للسير فيه يختلف تماما عن الخرائط الأخرى وأنه حتما هناك عقيدة واحدة وطريق واحد هو الصحيح والموصل لنجاة صاحبه والباقى لا يوافق الحقيقة ولن ينجى صاحبه