من العوامل الرئيسية التي ساعدت على النهضة الأوروبيّة الحديثة هو احتكاك أوروبا المسيحيّة بالعالم العربي الإسلامي وقد تمّ هذا التلاقح الحضاري بينهما عبر ثلاث جسور رئيسية هي الأنلدس وصقلية والإمارات الصليبيّة التي أنشأها الصليبيون في المشرق.

  • أصبحت المدن الإيطاليّة مثل جنوة والبندقيّة بفضل كثافة نشاطها التجاري مع الشرق الإسلامي همزة وصل بين المنطقة العربيّة الإسلاميّة والغربي المسيحي، ساعد ذلك على انتشار البضائع الشرقيّة في أوروبا وعلى تغلغل أنماط العيش والتفكير العربيين.

  • أقبل الأوروبيون بشغف كبير على الآداب والفنون العربيّة لما بلغته من رقيّ ومن رهافة حسّ فكانوا يتبارون في حذقها.

  • نشطت حركة الترجمة فساعد ذلك على انتقال العلوم العربيّة والإسلاميّة إلى اللّغات الأوروبيّة وعلى انتقال التراث العلمي والفلسفي اليوناني إلى أوروبا والاستفادة من الإضافات التي قدّمها العلماء المسلمون.

  • شملت حركة الترجمة جلّ العلوم التي تألق فيها المسلمون فبالإضافة إلى الطبّ والرياضيات والفيزياء والفلك استفاد الأوروبيون من تقدم المسلمين في مجالات أخرى مثل الفلسفة والجغرافيا ومنهج الكتابة التاريخيّة وقد كانت طليطلة في الأندلس وسالرنة في جنوب إيطاليا مركزين رئيسيين لترجمة الآثار الإسلاميّة في جلّ هذه العلوم.

  • في مجال الرياضيات: اقتبس الأوروبيون عن العرب استعمال الأرقام الهنديّة كما اقتبسوا عنهم الصفر الذي يعود اختراعه إلى القرن الثالث هجري/التاسع ميلادي.

من أبرز العلماء العرب في هذا المجال يمكن أن نذكر:

الخوارزمي (153-235هـ/770-850م).

ثابت بن قرة (836-901م) الذي نبغ في الرياضيات وعلم الفلك وقال بدوران الأرض حول نفسها، ترأّس لجنة لقياس قطر الأرض في عهد الخليفة الرشيد وقد اعتمدت مختلف القياسات الفلكية التي قام بها من قبل البحارة والمستكشفين الأوروبيين في القرن السادس عشر.

  • كان الحسن بن الهيثم (354-430م/965-1039م) من أبرز علماء الفيزياء وكان من رواد علم البصريات، توصل إلى أنّ الرؤية تنشأ من انبعاث الأشعة من الجسم إلى العين التي تخترقها الأشعة، فترسم على الشبكيّة وينتقل الأثر من الشبكيّة إلى الدماغ بواسطة عصب الرؤية، فتتكوّن الصورة المرئيّة للجسم. وبذلك أبطل ابن الهيثم النظرية اليونانيّة لكل من أقليدس وبطليموس، التي كانت تقول بأنّ الرؤية تحصل من انبعاث شعاع ضوئي من العين إلى الجسم المرئي. كما بحث في الضوء والألوان والانعكاسات الضوئية ويعدّه بعض الباحثين رائد علم الضوء.

  • بقيت المؤلّفات الطبيّة العربيّة مرجعا أساسيا في الجامعات الأوروبيّة حتى فترة متأخّرة إذ ترجمت كتب ابن سينا (370-428هـ/980-1037م) ولا سيما كتاب القانون وكتاب الحاوي للرازي (864-932م) كما كان المسلمون وراء العديد من الاكتشافات الطبيّة التي ساهمت في تطوّر الطبّ في الشرق والغرب فاكتشف ابن النفيس الدورة الدمويّة الصغرى وابتدع الرازي علم التشخيص كما اكتشف المسلمون عدوى الأمراض ووجوب عزل المصاب لمنع انتقال المرض.

أمّا في مجال الجغرافيا فقد برز الجغرافي الإسلامي الشهير الإدريسي (493-560هـ/1100-1166م) صاحب كتاب نزهة المشتاق في اختراق الآفاق الذي أشاع فكرة كرويّة الأرض واشتهر بالخريطة التي ضمّنها كتابه المذكور والتي وضعها بطلب من الملك النورماني روجار

المصدر