لعل كثيرًا من المغالطات المنطقية، تعتمد على أساسٍ واحدٍ أو متشابه، وهو التصنيف، التصنيف الذي يقتل الموضوعية في النقاش ويقضي على الحياديّة والأمل في تغيير رأيٍ أو الاقتناع بآخر. فما هو التصنيف؟

ظاهرةٌ انتشرت بكثرةٍ وبتزايد في صورٍ عديدة، لربما أشهرها اليوم هو تصنيف العلماء، لنختصر الأمر ببساطة، كان الناسُ يسألون العالم عن رأيه في فعلٍ أو فاعل فإن قال هو حلال تقرّبوا إليه وإن قال هو حرام نفروا منه، اليوم، كثيرٌ من الناس إن لم تكن أغلبيّة لا تشعر بنفسها، صارت خصوصًا بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي تسأل العالم عن رأيه في فعلٍ أو فاعل، ليس لتأخذ برأيه، بل إما لتصنّف العالِم أو تشذّب آراءه.

ما سأقوله تاليًا هو مجرّد مثال، لا علاقة له أبدًا برأيي بعدنان إبراهيم أو سلمان العودة أو ما شابه، منذ بضعة دقائق شاهدت على شبكة Twitter نقاشًا دار بين اثنين في صفحة الشيخ سلمان العودة، أنقل لكم مجمله كمثالٍ (مع التحويل إلى الفصحى والترقيم دلالةً على القائل):

1: نريد قولًا في ضلالات عدنان إبراهيم ينسخ تزكيتك له.

2: وهل زكّاه؟!

3: الشيخ سلمان رقّع لعدنان إبراهيم وقال عنه داعية وأن ما يحدث له ربما يكون توهّمات وليس كذبًا أو تخريفًا.

3: الشيخ سلمان يجامل الشخص إذا كان مشهور ومثير للجدل وحديث الساعة كما يقال، والمفترض أن يكون الشرع هو الحكم.

2: إن شاء الله يسحب الشيخ كلامه وهذا المتوقّع منه.

3: ومن بعدها لم أستمع له لأني أحب الداعية الذي يتكلم بوضوح ولا يعوم القضايا.

4: الحلال بيّن والحرام بيّن لسنا نبني ديننا بانتظار قول رجل، لا سيّما وأن هيئة كبار العلماء صرّحت.

الظاهر من النقاش السابق لأشخاصٍ عشوائيين في شبكة تواصل أن الناس صاروا يأخذون كلام العلماء كي يصنّفوه ويعلّبوه ويوجّهوا الشيخ إلى رأيهم الصحيح قطعًا، وقد صاروا هم من يعلّمون العالم ويأخذون بيده إلى الطريق الصحيح ويسألون الله له الهداية إلى طريق الصواب وترك الباطل الذي هو عليه.

ما المشكلة في هذا إذًا؟ لا مشكلة في أن تعارض عالمًا في رأيه، لكن المشكلة في أن تترك الموضوعية في سبيل التصنيف، أن تسأل لا بقصد الاستزادة والتعلّم والأخذ بمختلف الآراء بل بقصد تصنيف الشخص وتغليفه! والشيخ سلمان العودة قال في برنامج الـPeriscope في التاسع عشر من رمضان ما يلي:

من أكثر ما يؤذي الناس اليوم: التصنيف: هذا من الجماعة الفلانية وهذا يتبع الشيخ الفلاني وكل شخص راضٍ بما عنده ويعتقد بأنه يمثّل هداية السماع ويمثّل طريق الأنبياء وأن الآخرين ليسوا على شيء، ارفق يا أخي، هذا شيء عند الله، والله لا يحاسب الناس يوم القيامة بالقائمة وموجب القائمة وما هي قائمتك ولمن تنتمي ولا بموجب القبيلة ولا بموجب البلد ولا بموجب الشكل والجمال ولا بموجب المال، الله يحاسب الناس أوّلًا على ما في قلوبهم، على الطهارة على الصفاء على حسن النيّة على الإخلاص، ثم يحاسبهم على أعمالهم.