الغيبة والنميمة: خطرهما وكفارتهما

مقدمة

اللسان نعمة عظيمة منحها الله للإنسان، وهو أداة للتعبير والتواصل، لكنّه قد يكون سببًا في هلاك صاحبه إذا لم يُضبط بضوابط الشرع. ومن أعظم الآفات اللسانية التي تُهلك صاحبها الغيبة والنميمة، فقد شدد الإسلام في التحذير منهما، لما لهما من أثر خطير في تفكيك المجتمعات، ونشر الفساد، وإثارة الفتن بين الناس.

أولًا: تعريف الغيبة والنميمة

1. الغيبة

عرّفها النبي ﷺ بقوله:

"أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ذكرك أخاك بما يكره. قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهتَّه" (رواه مسلم).

فالغيبة هي ذكر الإنسان في غيابه بما يكره، سواء أكان ذلك في خلقه، أو دينه، أو دنياه، أو نفسه، أو أخلاقه، أو حتى في ملبسه ومأكله، وسائر شؤونه.

2. النميمة

هي نقل الكلام بين الناس بقصد الإفساد، وقد قال النبي ﷺ:

"لا يدخل الجنة نمّام" (متفق عليه).

فالنمّام يُفسد العلاقات بين الناس، ويزرع العداوة بينهم، ويشعل الفتن التي تؤدي إلى القطيعة والبغضاء.

ثانيًا: خطر الغيبة والنميمة في الإسلام

سبب لعذاب القبر

ورد في حديث النبي ﷺ أنه مرّ بقبرين وقال:

"إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله" (رواه البخاري ومسلم).

أكل لحوم الناس معنويًا

شبّه الله المغتاب بمن يأكل لحم أخيه ميتًا، فقال:

{وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} (الحجرات: 12).

سبب لنقص الحسنات وزيادة السيئات

جاء في الحديث: "أتدرون من المفلس؟" قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يُقضى ما عليه أُخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طُرح في النار" (رواه مسلم).

فالمغتاب يعاني يوم القيامة من نقص حسناته، وربما يأخذ من سيئات من اغتابهم، فيكون سببًا في خسارته.

إفساد العلاقات الاجتماعية

النميمة تُؤدي إلى القطيعة، وتقطع أواصر المحبة بين الناس، وتزرع الشكوك وسوء الظن، مما يؤدي إلى تفكك المجتمع ونشر الأحقاد بين أفراده.

ثالثًا: كفارة الغيبة والنميمة

من رحمة الله بعباده أنه شرع لهم التوبة من الذنوب، ومنها الغيبة والنميمة، ولكن لا يكفي مجرد الاستغفار، بل هناك خطوات محددة للتكفير عنهما:

الندم الصادق

أن يشعر الإنسان بالندم الحقيقي على ما صدر منه، وأن يدرك فداحة الذنب الذي وقع فيه.

العزم على عدم العودة

يجب أن يكون هناك قرار جاد بالتوقف عن الغيبة والنميمة، واستشعار رقابة الله في كل كلمة تُقال.

طلب السماح ممن اغتابه إن لم يترتب على ذلك مفسدة

إذا كان الشخص الذي تم اغتيابه يعلم بالأمر، فمن الأفضل طلب السماح منه، وإلا فالأفضل عدم إخباره حتى لا تتفاقم المشكلة، ويُكتفى بالدعاء له والاستغفار عنه.

الإكثار من ذكر الله والحسنات الماحية

قال النبي ﷺ: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن" (رواه الترمذي).

فعلى من وقع في الغيبة والنميمة أن يكثر من الأعمال الصالحة، مثل الصدقة، والصلاة، وذكر الله، وتعويض ما فاته من حسنات.

رابعًا: كيف نتجنب الغيبة والنميمة؟

التفكر في عواقبها

تذكّر أن الغيبة ظلم، وأن حسناتك ستُعطى لمن اغتبته يوم القيامة، مما يجعلك حريصًا على عدم الوقوع فيها.

الاشتغال بعيوب النفس

من انشغل بعيوب نفسه لن يجد وقتًا لمراقبة عيوب الناس، قال النبي ﷺ:

"طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس" (رواه البزار).

ملازمة الصمت والذكر

قال النبي ﷺ: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت" (متفق عليه).

تغيير الموضوع إذا بدأ أحدهم بالغيبة

إذا كنت في مجلس وبدأ الناس في الغيبة، فغيّر الموضوع، أو ذكّرهم بالله، أو انسحب من المجلس.

تذكر مراقبة الله

عندما يهم الإنسان باغتياب أحد، فليتذكر أن الله يراه ويسمعه، كما قال تعالى:

{وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} (الانفطار: 10-12).

هل يعتبر نقل المعلومات الشخصية عن شخص آخر نميمة، حتى لو لم يكن القصد منها الإفساد؟

خاتمة

الغيبة والنميمة من الآفات الخطيرة التي تهدم المجتمعات، وتضيع الحسنات، وتجلب سخط الله. ولذلك يجب على المسلم أن يحذر من الوقوع فيهما، وأن يجاهد نفسه ليكون لسانه طاهرًا من هذه الآفات. فالكلمة مسؤولية، ونقل الحديث عن الآخرين دون ضرورة قد يؤدي إلى ظلمهم أو إحراجهم أو كشف أسرارهم، حتى لو لم يكن القصد الإفساد، مما يجعله غير جائز. أما إذا كان النقل لمصلحة مشروعة، فيجب التحري وعدم التجاوز، وإن كان بلا ضرر والمعلومة علنية، فالأولى تجنب الحديث غير الضروري. والتوبة الصادقة، والاستغفار، ومحاولة إصلاح ما فسد، هي طريق النجاة لمن وقع في هذا الذنب العظيم. والأفضل للمسلم أن يلتزم بوصية النبي ﷺ: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت" (متفق عليه.