كيف نحتاط من الغيبة؟ ومتى لا تكون الغيبة حرامًا؟
مقدمة
الغيبة داءٌ خفي، قد يُبتلى به الإنسان في مجالس الأنس أو عند لحظات الغضب، دون أن يشعر أنه وقع في كبيرة من كبائر الذنوب، التي حذّر الله منها، وشبّهها بأبشع صورة:
{وَلَا يَغْتَبْ بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات: 12]
فما هي الغيبة؟ وكيف نحتاط منها؟ وهل هناك حالات لا تكون الغيبة فيها حرامًا؟
ما هي الغيبة؟
قال النبي ﷺ: "أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ذكرك أخاك بما يكره."
قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟
قال: "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهتَّه." [رواه مسلم]
أي أن مجرد ذكرك أخاك بما يكره في غيابه، حتى لو كان صدقًا، فهو غيبة.
كيف نحتاط من الغيبة؟
- اجعل مراقبة الله حاضرة في قلبك:
- تذكّر دومًا أن الله يسمعك، ويراك، ويعلم ما تقول، وما تُخفي.
- اجعل لسانك مشغولًا بالخير:
- من أحب أن يسلم من الغيبة، فليشغل لسانه بالذكر والدعاء والكلام الطيب.
- غيّر الموضوع بلطف:
- إذا كنتَ في مجلس بدأ فيه الكلام عن الآخرين بسوء، فحوّل الحديث لموضوع نافع، أو غادر المجلس إن عجزت.
- تذكّر أنك أنت أيضًا لك عيوب:
- من أكثر ما يقي من الغيبة أن يستشعر الإنسان أنه كما أن في غيره عيوبًا، ففيه هو أيضًا ما لا يُرضي، فليشغل نفسه بإصلاح نفسه بدل تتبع عيوب الناس.
- استحضر قبح المشهد القرآني:
- تذكّر دائمًا الصورة القرآنية: أتحب أن تأكل لحم أخيك ميتًا؟ هذه هي الغيبة!
متى لا تكون الغيبة حرامًا؟
أجمع العلماء على أن الغيبة تكون مباحة في حالات محددة لحاجة شرعية أو مصلحة راجحة، منها:
- الشكوى عند القاضي أو المسؤول:
- كأن تقول: "ظلمني فلان وأخذ حقي." فهذا ليس من الغيبة المحرمة.
- الاستفتاء الشرعي:
- كأن تقول للمفتي: "أبي يظلمني، أو زوجي يعاملني بسوء" لأخذ فتوى تخصك.
- التحذير من الشر أو النصيحة:
- كأن تُحذر من فاسق يشتهر بالإفساد، أو تُحذر خاطبًا من عيب خطير في المخطوبة أو العكس، لحماية الناس.
- التعريف بالمظلوم أو المعذور:
- مثل قولك: "فلان الأعرج" أو "الأعمى" إن كان لا يُعرف إلا بذلك، ولا يُقصد الانتقاص منه.
- الاستعانة على إزالة منكر أو نصرة مظلوم.
- إذا كان الشخص يتحدث بهدف الإصلاح وتغيير المنكر لا للتشهير.
خاتمة
الغيبة قد تهدم جبال الحسنات دون أن ندري… فَلْنُحصِّن ألسنتنا، ولنتقِ الله في أقوالنا، ولنطلب من مجالسنا أن تكون رياضَ ذِكر لا مواطنَ وزر.
وإذا أخطأت فاستغفر، واذكر من اغتبته بخير، وادعُ له، واطلب عفو الله، فإن التوبة تَجُبّ ما قبلها.
اللهم طهّر ألسنتنا من الغيبة، وقلوبنا من الغِل، وأعمالنا من الرياء، واغفر لنا زلاتنا فيما نقول وما نُسرّ وما نعلن.
_______