حكم الغيبة في نهار رمضان وأثرها على الصيام
مقدمة
الصيام عبادة عظيمة شرعها الله تعالى لتزكية النفس وتهذيب الأخلاق، وليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب. ومن أعظم المقاصد التي يسعى إليها الصائم تحقيق التقوى، كما قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة: 183). لكن قد يقع بعض الصائمين في آفات اللسان، ومنها الغيبة، فيُطرح التساؤل: هل الغيبة تُبطل الصيام؟ وما حكم من يغتاب وهو صائم؟
أولًا: تعريف الغيبة وحكمها
الغيبة هي ذكر المسلم في غيابه بما يكره، سواء كان ذلك في خلقه، أو عمله، أو دينه، أو دنياه. وقد حرمها الله تعالى في كل وقت، وجعلها من كبائر الذنوب، حيث قال في كتابه العزيز: ﴿وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ﴾ (الحجرات: 12). كما جاء في الحديث أن النبي ﷺ قال: "أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ذكرك أخاك بما يكره" (رواه مسلم).
ثانيًا: أثر الغيبة على الصيام
الغيبة من الذنوب العظيمة التي تنقص من أجر الصائم، بل قد تحرم صاحبها من الثواب، لكنها لا تُبطل الصيام من الناحية الفقهية، أي أن الصيام لا يجب قضاؤه، لكنه يصبح ناقص الأجر. والدليل على ذلك قول النبي ﷺ: "رُبَّ صائمٍ حظُّهُ من صيامِهِ الجوعُ والعطشُ" (رواه أحمد). أي أن بعض الصائمين لا ينالون من صيامهم إلا المشقة، بسبب وقوعهم في المعاصي التي تذهب ببركة الصيام.
وقد ثبت في حديث آخر أن النبي ﷺ قال: "من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" (رواه البخاري). وهذا يدل على أن الصيام ليس مجرد امتناع عن المفطرات الحسية، بل هو تهذيب للنفس، والابتعاد عن الآثام.
ثالثًا: كيفية التوبة من الغيبة في رمضان
من وقع في الغيبة أثناء الصيام عليه أن يبادر بالتوبة والاستغفار، وأن يسعى لردّ المظالم إن أمكن ذلك، كأن يستحلّ من اغتابه إن كان ذلك لا يؤدي إلى فتنة، وإلا فليدعُ له ويستغفر الله له، تعويضًا عن أذيته له. قال النبي ﷺ: "كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته" (رواه البيهقي في "شعب الإيمان").
خاتمة
الغيبة لا تبطل الصيام، لكنها تذهب بأجره، وقد تجعل الصائم يخرج من رمضان دون أن يكون قد نال الثواب الكامل الذي يرجوه. لذا، يجب على المسلم أن يحذر من هذه الآفة، خاصة في شهر رمضان، حيث يُضاعف الأجر وتُفتح أبواب المغفرة. فمن أراد أن يكون صيامه كاملًا مثمرًا، فعليه أن يحفظ لسانه، ويجعل صيامه عبادة حقيقية، وليس مجرد جوع وعطش.