بيان صفة صلاة النبي "صلى الله عليه وسلم"، قدمها الشيخ "إبن باز" إلى كل مسلم ومسلمة ليجتهد كل من يطلع عليها في التأسي به صلى الله عليه وسلم في ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) رواه البخاري، وإلى القارئ بيان ذلك.
١- صفة الوضوء : يسبغ الوضوء ، وهو أن يتوضأ كما أمره الله؛ عملًا بقوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} (سورة المائدة:٦)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تقبل صلاة بغير طهور)) رواه مسلم، وقوله صلى الله عليه وسلم للذي أساء صلاته: ((إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء...)) متفق عليه.
٢- صفة الصلاة وهيئة المصلي : يتوجه المصلي إلى القبلة، وهي الكعبة أينما كان بجميع بدنه قاصدًا بقلبه فعل الصلاة التي يريدها من فريضة أو نافلة، ولا ينطق بلسانه بالنية؛ لأن النطق باللسان غير مشروع لكون النبي صلى الله عليه وسلم لم ينطق بالنية ولا أصحابه رضي الله عنهم، ويجعل له سترة يصلي إليها إن كان إمامًا أو منفردًا، واستقبال القبلة شرط في الصلاة إلا في مسائل مستثناة معلومة موضحة في كتب أهل العلم، يكبر تكبيرة الإحرام قائلًا الله أكبر ناظرًا ببصره إلى محل سجوده، يرفع يديه عند التكبير إلى حذو منكبيه أو إلى حيال أذنيه، يضع يديه على صدره، اليمنى على كفه اليسرى لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، يسن أن يقرأ دعاء الإستفتاح ، وهو : «اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد»..متفق عليه، وإن شاء قال بدلا من ذلك: ‹سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا الله غيرك›، رواه أحمد وأهل السنن، وإن أتى بغيرهما من الاستفتاحات الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا بأس، والأفضل أن يفعل هذا تارةً، وهذا تارةً؛ لأن ذلك أكمل في الاتباع، ثم يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، ويقرأ سورة الفاتحة لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) متفق عليه، ويقول بعدها آمين جهرًا في الصلاة الجهرية، ثم يقرأ ما تيسر من القرآن.
٣- صفة الركوع والرفع منه : يركع مكبرًا رافعًا يديه إلى حذو منكبيه أو أذنيه جاعلًا رأسه حيال ظهره واضعًا يديه على ركبتيه مفرقًا أصابعه ويطمئن في ركوعه، ويقول: "سبحان ربي العظيم'، والأفضل أن يكررها ثلاثًا أو أكثر، ويستحب أن يقول مع ذلك: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، يرفع رأسه من الركوع رافعًا يديه إلى حذو منكبيه أو أذنيه قائلًا: سمع الله لمن حمده إن كان إمامًا أو منفردًا، ويقول حال قيامه: ربنا ولك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد، رواه مسلم، أما إن كان مأمومًا، فإنه يقول عند الرفع: ربنا ولك الحمد إلى آخر ما تقدم، ويستحب أن يضع كل منهما ــ أي: الإمام والمأموم ــ يديه على صدره كما فعل في قيامه قبل الركوع لثبوت ما يدل على ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث وائل ابن حجر، وسهل بن سعد رضي الله عنهما.
٤- صفة السجود ، وما يقول فيه : يسجد مكبرًا واضعًا ركبتيه قبل يديه إذا تيسر ذلك، فإن شق عليه قدم يديه قبل ركبتيه مستقبلًا بأصابع رجليه ويديه القبلة ضامًا أصابع يديه ويسجد على أعضائه السبعة: "الجبهة مع الأنف، واليدين، والركبتين، وبطون أصابع الرجلين"، ويقول: سبحان ربي الأعلى، ويكرر ذلك ثلاثًا أو أكثر، ويستحب أن يقول مع ذلك: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، ويكثر من الدعاء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم))رواه مسلم، ويسأل ربه من خير الدنيا والآخرة سواء كانت الصلاة فرضًا أو نفلًا، ويجافي عضديه عن جنبيه وبطنه عن فخذيه وفخذيه عن ساقيه ويرفع ذراعيه عن الأرض؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب)) متفق عليه.
٥- صفة الجلسة وحكمها : يرفع رأسه مكبرًا، ويفرش قدمه اليسرى ويجلس عليها وينصب رجله اليمنى، ويضع يديه علو فخذيه وركبتيه، ويقول: رب اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني وعافني واجبرني، ويطمئن في هذا الجلوس، يسجد السجدة الثانية مكبرًا ويفعل فيها كما فعل في السجدة الأولى، يرفع رأسه مكبرًا ويجلس جلسة خفيفة كالجلسة بين السجدتين وتسمى جلسة الاستراحة، وهي مستحبة، وإن تركها فلا حرج، وليس فيها ذكر ،ولا دعاء.
٦- صفة الركعة الثانية : ثم ينهض قائمًا إلى الركعة الثانية معتمدًا على ركبتيه إن تيسر ذلك، وإن شق عليه اعتمد على الأرض، ثم يقرأ الفاتحة وما تيسر له من القرآن بعد الفاتحة، ثم يفعل كما فعل في الركعة الأولى، إذا كانت الصلاة ثنائية أي: ركعتين كصلاة الفجر والجمعة والعيد جلس بعد رفعه من السجدة الثانية ناصبًا رجله اليمنى مفترشًا رجله اليسرى واضعًا يده اليمنى على فخذه اليمنى قابضًا أصابعه كلها إلا السبابة فيشير بها إلى التوحيد، وإن قبض الخنصر والبنصر من يده وحلق إبهامها مع الوسطى وأشار بالسبابة فحسن لثبوت الصفتين عن النبي صلى الله عليه وسلم، والأفضل أن يفعل هذا تارةً وهذا تارةً، ويضع يده اليسرى على فخذه اليسرى وركبته، ثم يقرأ التشهد في هذا الجلوس وهو: ((التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله))متفق عليه، ثم يقول: ((اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد)) متفق عليه، ويستعيذ بالله من أربع فيقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال، ثم يدعو بما شاء من خير الدنيا والآخرة، متفق عليه، وإذا دعا لوالديه أو غيرهما من المسلمين فلا بأس سواء كانت الصلاة فريضة أو نافلة لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود لما علمه التشهد: ((ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو)) أخرجه أبو داود والنسائي وفي لفظ آخر: ((ثم ليتخير بعد من المسألة ما شاء))، وهذا يعم جميع ما ينفع العبد في الدنيا والآخرة، ثم يسلم عن يمينه وشماله قائلًا: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله.
٧- صفة الركعة الثالثة والرابعة : إن كانت الصلاة ثلاثية كالمغرب أو رباعية كالظهر والعصر والعشاء، فإنه يقرأ التشهد المذكور آنفًا مع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ينهض قائمًا معتمدًا على ركبتيه رافعًا يديه إلى حذو منكبيه قائلًا: الله أكبر، ويضعهما ــ أي: يديه ــ على صدره، كما تقدم، ويقرأ الفاتحة فقط، وإن قرأ في الثالثة والرابعة من الظهر زيادة عن الفاتحة في بعض الأحيان فلا بأس لثبوت ما يدل على ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي سعيد رضي الله عنه، وإن ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد الأول فلا بأس؛ لأنه مستحب وليس بواجب في التشهد الأول، ثم يتشهد بعد الثالثة من المغرب، وبعد الرابعة من الظهر والعصر والعشاء، كما تقدم ذلك في الصلاة الثنائية، ثم يسلم عن يمينه وشماله.
٨- ما يشرع من الأذكار بعد الفراغ من الصلاة : ويستغفر الله ثلاثًا، ويقول: "اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، ويسبح الله ثلاثًا وثلاثين ويحمده مثل ذلك ويكبره مثل ذلك، ويقول تمام المائة: لا الله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ويقرأ أية الكرسي، وقل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس بعد كل صلاة، ويستحب تكرار هذه السور، الثلاث ثلاث مرات بعد صلاة الفجر، وصلاة المغرب لورود الأحاديث بها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكل هذه الأذكار سنة وليست بفريضة.
٩- ما يشرع من سنن رواتب الصلوات : ويشرع لكل مسلم ومسلمة أن يصلي قبل الظهر أربع ركعات وبعدها ركعتين وبعد المغرب ركعتين وبعد العشاء ركعتين وقبل صلاة الفجر ركعتين، الجميع اثنتا عشرة ركعة وهذه الركعات تسمى الرواتب لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحافظ عليهما في الحضر، أما في السفر فكان يتركها إلَّا سنة الفجر والوتر، فإنه كان عليه الصلاة والسلام يحافظ عليهما حضرًا وسفرًا، والأفضل أن تصلى هذه الرواتب والوتر في البيت، فإن صلاها في المسجد فلا بأس لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة))متفق عليه، والمحافظة على هذه الركعات من أسباب دخول الجنة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من صلى اثنتي عشرة ركعة في يومه وليلته تطوعا بنى الله له بيتا في الجنة)) رواه مسلم في صحيحه، وإن صلى أربعًا قبل العصر، واثنتين قبل صلاة المغرب، واثنتين قبل صلاة العشاء فحسن؛ لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك، وإن صلى أربعًا بعد الظهر، وأربعًا قبلها فحسن؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله تعالى على النار)) رواه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح عن أم حبيبة رضي الله عنها، والمعنى أنه يزيد على السنة الراتبة ركعتين بعد الظهر؛ لأن السنة الراتبة أربع قبلها وثنتان بعدها، فإذا زاد ثنتين بعدها حصل ما ذكر في حديث أم حبيبة رضي الله عنها، والله ولي التوفيق.