( أصحاب الكهف وأهل الكهف )
قال تعالى ( أمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9) الكهف . قال المفسرون ، أي يقول الله تعالى، يا محمد هناك آيات أعجب من آية أصحاب الكهف والرقيم، والآية هي الشيء العجيب الملفت، وبناء على ما شاهدناه أمامنا ولمسناه وأدركناه نجد تلك الآية والحالة العجيبة الملفتة لإنسان الكهف ( الإنسان الحي الميت " ميت القلب " ، اليقظ النائم " نومة فكرية " ، المتعلم الجاهل " الجاهل بحقائق الأشياء "، المكتمل الحواس الفاقد للشعور والإحساس ) ، أي الحالة ونقيضها، فمثل ذلك الإنسان آية من آيات الله التي تثير العجب والاستغراب عند من لمسها وتأمل بها وشاهدها وأدركها، ومن طالته الحالة لا يشعر بها عند إعلامه إلا إذا أراد الله عز وجل له ذلك .
إن القصة المعروفة ( لأصحاب الكهف ) تختلف عما وقع وحدث ( لأهل الكهف ) الذين أشرت إليهم في المقدمة أعلاه، فآية أهل الكهف أعجب من آية أصحاب الكهف، فدخول أصحاب الكهف إلى الكهف كان سببه ( الفرار بدينهم )، وأما دخول أهل الكهف في الكهف الفكري المعنوي سببه هو ( الفرار من دين الله عز وجل )، ومعظم المسلمين اكتفوا بإقامة شعائرهم وعباداتهم وطقوسهم التي ورثوها من زمن الملك العاض و تراخوا عنها زمن الملك الجبري داخل الكهف، ولم يحاولوا اكتشاف الآفاق الفكرية من حولهم من خلال التأمل والتفكر والتدبر والحوار، بل اطمأنوا إلى ما وجدوا آباءهم عليه .
وموتة أو نومة أصحاب الكهف تختلف عن نومة أو موتة أهل الكهف، ولكن كلا النومتين أو الموتتين حدثتا بقدرة وبتقدير العلي القدير، ومثلما كان بعث وإيقاظ أصحاب الكهف بقدرة وبتقدير العلي القدير، كذلك سيكون بعث وإيقاظ أهل الكهف بقدرته وتقديره عز وجل، ( ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12)) الكهف .
( ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ ) فهذا ما سيجري لأهل الكهف، أي أهل هذا الزمن الذين طالتهم الحالة، والبعث من قبل العلي القدير سيكون بالتدريج، حيث سيكون هناك قلة يبعثهم الله عز وجل من نومتهم الفكرية وموتتهم القلبية، وتلك القلة ستعمل وبتوفيق من الله بإيقاظ الكثرة الذين أراد الله لهم اليقظة .
وبعد اكتمال نصاب وعدد معين مؤثر من الذين استيقظوا من النومة الفكرية والموتة القلبية، ستعود خلافة على منهاج النبوة بإذن الله العلي القدير.
إن سورة الكهف تبين لنا الأحوال الفكرية والروحية التي سيكون عليها الناس في حال فرارهم من الدين واتباع خطوات الشياطين والتراخي في تطبيق منهج رب العالمين، وحادثة أصحاب الكهف تبين لنا جانب من قدرة الله عز وجل على الإماتة والبعث والإيقاظ، وفيها إشارة بأن هناك آيات أعجب من آية أصحاب الكهف والرقيم، ومنها آية أهل الكهف .