الذين يثبتون لله تبارك وتعالى صفات وأفعال كالمكر والاستهزاء والسخرية والمجيء والإيتان [ كما يفهمها العقل ويعيها ] كأفعال وصفات مباشرة لله تبارك وتعالى ومطلقة , فهذا أصل فاسد معلوم الفساد ـ كما بيناه آنفاً ـ ولا ينفعهم ولا يصلح فساد اعتقادهم هذا أن يأتوا بعبارة باهتة عقب هذا التأصيل فيقولوا [ من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تعطيل ] !!
فكيف بعد إثباتكم له سبحانه وتعالى ما يتعارض مع جلاله وكماله وسموه وعظمته المطلقة , تقولون من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تعطيل ,؟!! وقد شبهتم ومثلتم وعطلتم كماله وجلاله التام المطلق ؟!!
بل وزادوا على ذلك أن قالوا هو شيء وجسم ومتحيز وله وجه وعينين ( ونسوا أن يقولوا: ولساناً وشفتين ) ويدان (كلتاهم يمين كما زعموا وكأنهم هكذا نفوا التشبيه فلم يقولوا يمنى ويسرى !! ) وأصابع خمسة !! وله قدمين يحملهما الكرسي !! وساقين يكشفهما يوم القيامة !! وهو جالس على العرش الذي يئط به كما يئط الكرسي برحله الجديد !! وأن العرش اهتز لموت سعد بن معاذ !!! وأنه ينزل كل ليلة !! كل ليلة !! ( وهل عند الله تعالى ليلٌ ونهار ) إلى السماء الدنيا !! فينادي كل ليلة هل من سائل فأعطيه ؟!! هل من مستغفر فاغفر له , هل من تائبٍ فأتوب عليه ؟! .... وهكذا كل ليلة !!! وأن من تقرب منه شبراً تقرب منه ذراعاً ومن تقرب منه ذراعاً تقرب منه باعاً ( وكأن مقاييس المسافات عند الله تعالى كمقاييسنا )!!! وأن من أتاه يمشي أتاه الله تعالى هرولة ً !! كما زعموا
وكل هذا الأوصاف والأفعال القدسية لم تأتي الينا بسند صحيح متواتر ,,, ولكن مجرد روايات آحاد .. والمذهب الصحيح الذي ندين به لله تعالى أن روايات الآحاد في العقائد والأصول غير مقبولة وليست مرضية إلا اذا جاءت موافقة للقرآن الكريم ظاهرا وباطنا,
فهل بقى من هذا التشبيه والتمثيل بالإنسان الفحل وليس الأنثى إلا ما يستحي الواصفون من ذكره ؟!!!
وهذا كله وأكثر منه من دسّ ووضع اليهود والنصارى والزنادقة من المنتسبين للإسلام !!
إننا ندين لله تبارك وتعالى برفض كل وصف ونعت لله تبارك وتعالى يأتي إلينا من خارج كتاب الله تعالى , ونبرأ إلى الله تعالى من كل وصف له أو خبر عنه لا يأتينا بسند متواتر متصل عن رسول الله تعالى عليه الصلاة والسلام , وكل وصف ونعت لله تبارك وتعالى جاء في كتابه وقرآنه أو في السنة بسند متواتر فهو على العين والرأس , ونؤمن به في إطار ومن خلال فرقان الآية الكريمة " ليس كمثله شيء , وهو السميع البصير " وهذا التصور الذي سقناه آنفاً للصفات والأفعال الواردة في القرآن الكريم , ليس من اجتهادنا وبنات أفكارنا , وإنما فرقان هذه الآية الكريمة وبيانها هو الذي دلنا عليه وهدانا إليه , لأننا عندما نظرنا في الآية الكريمة وجدنها بدأت بالنفي , نفي المثل والشبه وهذا في ذاته نفيٌ للتصور نفسه , فهي بمثابة ردع وزجر للعقل أن يحاول مجرد محاولة تصور صفات الله تعالى وأفعاله في حقيقتها , لأن هذا معترك ضنك , وهلاك محقق للعقل , ولو استطاع العقل تصور صفة واحدة منها على حقيقتها لصار إلهاً!!
ثم لما نظرنا للآية الكريمة وجدنا بدأت بالنفي المتعدد , وهذا يعني أن بيننا وبينها أهوال وبحور من الظلمات المتلاطمة , مما يحسم مادة الغطرسة والتهور للعقل البشري , وكلام الله تعالى لا يعارض بعضه بعضاً , فعندما نجد آيات في كتاب الله تعالى فيها صفات لله تبارك وتعالى وأفعال , ينبغي علينا ابتداءً أن نجعلها في إطار قاعدة النجاة من الضنك , والخلاص من رجس التصور العقلي المحكوم بمادة الزمان والمكان , " ليس كمثله شيء " فندرك على الفور أن لها "حقيقة" لا يمكننا تصورها , ونقطع الطمع في تخيلها , ثم بعد أن أثبتنا أن لها حقيقة آمنا بها كما يليق بجلاله وكماله المطلق سبحانه وتعالى , وصرفنا العقل عن مجرد المحاولة في تصورها , فإذا وفقنا الله تعالى للنجاة والخلاص وهدانا للرحاب العطرة لقوله تعالى " ليس كمثله شيء " وجدنا باباً عظيماً مهيباً ينفتح لنا , وهو آثار هذه الصفات والأفعال وانعكاسها في عالمنا المادي المخلوق , كما يعبر عنها ختام الآية الكريمة وهو" السميع البصير "
فندرك على الفور أن هذه الصفات إنما هي آثار صفات الجلال والكمال المطلق , وانعكاساتها في عالمنا المادي المخلوق المتحيز في كينونة خاضعة لأسماء الله تعالى وصفاته في حقيقتها المطلقة , وهذه الكينونة تتفاعل مع آثار هذه الأسماء والصفات القدسية , وتتشكل هيئة الزمان والمكان وفق مقتضاها , فينشق من هذه الهيئة المتشكلة سهام القضاء والقدر , ومن ثم تبدو آثار الأسماء والصفات للعقل البشري من هذه الهيئة المتشكلة في معاني يستطيع التعامل معها وفهمها , فيؤمن بها ويخضع لها على محمل التنزيه.