نؤمن أن القرآن الكريم هو كلام الله تبارك وتعالى حقا وصدقاً وعدلاً , وليس مخلوقاً كما زعم الزنادقة المفترين , وليس هو من كلام البشر , ولا يشبه كلام البشر , وهو المنهج القويم والصراط المستقيم , ختم الله تبارك وتعالى به الكتب والرسالات , فهو المنهج القويم والسبيل المستبين لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً , ونؤمن أن القرآن الكريم نزل على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله علية وسلم ليكون نذيرا للعالمين , به تمت الحجة على الناس جميعاً , وسقطت المعاذير , وأنار السبيل , وملاء الوجود رحمة وفضلاً , وحياةً وزكاةً للمؤمنين
ونؤمن أنه نزل من السماء " كتاباً " كما هو في المصحف الشريف سور وآيات وكلمات وحروف ورسماً وهيئة وترتيباً , وليس للصحابة فيه دخل من أي جهة.... لا في ترتيبه ولا في توليفه ولا في رسمة وصورة كتابته , وإنما كُتب القرآن الكريم بين يدي النبي الكريم صلى الله عليه وسلم كما هو مكتوب في أم الكتاب واللوح المحفوظ ,
قال ابن المبارك الذي نقل في كتابه «الإبريز» عن شيخه عبد العزيز الدباغ أنه قال له: «ما للصحابة ولا لغيرهم في رسم القرآن ولا شعرة واحدة، وإنما هو توقيف من النبي، وهو الذي أمرهم أن يكتبوه على الهيئة المعروفة بزيادة الألف ونقصانها، لأسرار لا تهتدي إليها العقول، وهو سر من الأسرار خص الله به كتابه العزيز دون سائر الكتب السماوية. وكما أن نظم القرآن معجز فرسمه أيضا معجز! وكيف تهتدي العقول إلى سر زيادة الألف في «مائة» دون «فئة»؟
وإلى سر زيادة الياء في «بأييد» و «بأييكم»؟ أم كيف تتوصل إلى سر زيادة الألف في «سعوا» بالحج، ونقصها من «سعو» بسبأ؟ وإلى سر زيادتها في «عتوا» حيث كان نقصها من «عتو» في الفرقان؟ وإلى سر زيادتها في «آمنوا» وإسقاطها من «باؤ- جاؤ- تبوؤ- فاؤ» بالبقرة؟ وإلى سر زيادتها في «يعفوا الذي»، ونقصانها من «يعفو عنهم» في النساء؟ أم كيف تبلغ العقول إلى وجه حذف بعض أحرف من كلمات متشابهة دون بعض، كحذف الألف من «قرءنا» بيوسف والزخرف، وإثباتها في سائر المواضع؟ وإثبات الألف بعد واو «سموات» في فصلت وحذفها من غيرها؟
وإثبات الألف في «الميعاد» مطلقا، وحذفها من المواضع الذي في الأنفال؟ وإثبات الألف في «سراجا» حيث وقع، وحذفه من موضع الفرقان؟ وكيف تتوصل إلى حذف بعض التاءات وربطها في بعض؟ فكل ذلك أسرار إلهية، وأغراض نبوية.
وإنما خفيت على الناس لأنها أسرار باطنية لا تدرك إلا بالفتح الرباني، بمنزلة الألفاظ والحروف المقطعة في أوائل السور،
فإن لها أسرارا عظيمة، ومعاني كثيرة، وأكثر الناس لا يهتدون إلى أسرارها ولا يدركون شيئا من المعاني الإلهية التي أشير إليها!.
فكذلك أمر الرسم الذي في القرآن حرفا بحرف ,لو أخذنا الآية الكريمة في سورة النمل بشأن قول سليمان بالنسبة لغياب الهدهد لأعذّبنّه عذابا شديدا أو لأأذبحنّه أو ليأتينّى بسلطان مّبين [النمل: 21 قد زيدت الألف بكلمة (لأأذبحنّه) ولم تزد بكلمة: («لأعذبنه») مع أنهما متماثلتان وكاتبهما قطعا نفس الكاتب، وأيّ منصف يقول إن الكاتب لا يخطئ هنا، ولكن هنا لك سر استنبطه العلماء بعد ذلك ويمكن أن يأتي آخرون فيستنبطوا ما لم يعرفه من سبقهم. انتهى
ما هو الأدب الواجب في الكلام عن القرآن الكريم ؟
هذا وقد ذكرت كلام الشيخ الدباغ من باب الاستئناس وليس من باب الدليل, فكلام العلماء يحتاج إلى الدليل , ولا يكون دليلاً في نفسه إلا عند من يتخذونهم أرباباً من دون الله تبارك وتعالى ,وقد عافانا الله تبارك وتعالى من ذلك بفضل منه ورحمة, مع تحفظي الشديد على عباراته التي وردت آنفاً عندما يقول نقصت هنا , أو زادت هنا , فهذه العبارات لا تجوز في وصف كتاب الله تبارك وتعالى , رغم أن معنى كلام الشيخ صحيح ولذلك ذكرته , ولكن خالفه التوفيق في التعبير عن المعنى الصحيح الذى يقصده , لأن القرآن الكريم منزه عن النقص والزيادة في الحروف والكلمات والمعاني والرسم والإملاء , وكلام بعض العلماء الذين صنفوا في موضوع الرسم القرآني بتعبيرات مثل تعبيرات الشيخ الدباغ مثل حذف الألف وثبوتها أو زيادتها , اقصد يتكلمون عن الرسم القرآني , بمثل هذه التعبيرات " حذف " ثبوت وزيادة حرف هنا ! ... أقول هذا لا يجوز ولا يصح في الحديث عن كتاب الله تبارك وتعالى , فليس في القرآن الكريم حذف وثبوت وزيادة ونقص , ولكن الصحيح والحق واللائق بكتاب رب العالمين تبارك وتعالى , أن نتكلم عنه بعبارات تؤدي المعنى الصحيح المقصود وهى في نفسها عبارات صحيحة لائقة بعظمة وجلال هذا الكتاب العظيم .
كيف نرفع رسمنا وإملاءنا فوق رسم القرآن الكريم , وكيف يكون معياراً نقيس عليه رسم القرآن الكريم !
القرآن الكريم معياراً لكل شيء , وميزاناً لكل شيء , كما أنه تبياناً لكل شيء , وهو يعلو ولا يُعلى عليه , ويسمو فوق العالمين , ويحكم ولا يُحكم عليه , ويهيمن على كل ما سواه , ويقضي على كل ما سواه ولا يُقضى عليه , هو الحق ... والحق لا يتعداه , هو النورُ الذي فلق ظلمات الغي والردى , والهدى والرشاد فيه تامٌ , يغنيك عن كل ما سواه .