قبل أن نبدأ بتسطير دروس المنهج الكامل في محاربة الفنون السوداء، علينا أن نعرف عليها أكثر، وما أفلح مُقاتل لم يعرف عدوّه!
الانتصار في معركة الإرادة يتطلَّب من المرء أن يكون واعيًا بالـ "فوائد" التي تقدّمها المرئيات الجنسية للعقل البشري، ويؤشّرها تمهيدًا لفهم دوافع الانغماس فيها. هذه أولى الخطوات، لتأتي بعدها خطوات لاستبدال هذه "الفوائد" بفوائد أخرى صحّية، بدائل أقل تحفيزًا وأسلم على المدى الطويل.
إدمان المرئيات الإباحية ليس عادة سيئة فقط تُستبدل بعادة جيّدة تُعادلها، بل هي سلسلة من خيوط متشابكة مع بعضها، لا يخرج منها المُدمن ما لم يوفِّر مقصًا مختلفًا لقطع كل خيط، واستبداله بخيط جديد.
مرّة أخرى، إذا أردنا أن ننتصر في معركة الإرادة، يجب أن نعرف نقاط قوَّة العدو، يجب أن ننتبه إلى خيوطه التي تحرّكنا.
كيف تُدمَن الإباحية؟
أ- احساس جيّد للأجزاء العاطفية
واحد من أهم أهداف أجزاءك العاطفية هو أن تسعى لتحقيق بعض النقاط الأساسية لحياتك (البقاء والتكاثر) ومع تحقيق كل نقطة، تطلق تلك الاجزاء بعض المواد الكيميائية في عقلك، تلك المواد التي تُشعرك بشعور من الرضا.
لكنّ المشكلة أنّ المواد الإباحية تخترق هذه العملية، وتجعل الدماغ يُطلق كميّات كبيرة أكبر من المعتاد من هذه النواقل الكيميائية، فهو يظنُّ أنَّ حريم الدنيا رهن طوعه، وتمَّ تأمين غريزة التكاثر، ممّا يجعل جسمك يحبّ هذا الشعور ويُدمن عليه، فلا شيء يوفّر اطلاقًا سريعًا لهذه المواد مثل ما تفعل الإباحيات.
الاندورفين
عادة يُدّخر الأندورفين للأوقات التي تشعر بها في الألم، تخيّل الراحة التي تحصل عليها بعد التمارين الرياضية؟ هذا فعل الإندورفين. عندما تنتهي من "جلسة" الإباحية، الأندورفين يٌفرز أيضًا، ويجعلك تشعر بالراحة والسكون.
لهذا تأتي الإباحية وتقتات على هذه النقطة، فارتباطها بالاندورفين، يقرّبها من التحكّم في مستوى طاقة الجسم، فقد تجد شخصًا يستخدم هذا ليحصل على جرعة اندورفين صباحًا، حتّى يبدأ يومه وتزداد طاقته، وقد تجد شخصًا آخر يستخدمها ليلًا، حتّى يسدل الستار على طاقته ويريد أن ينام، الإباحية والأندورفين هي ما تعطيك تلك الجرعة السحرية للتحكّم بالطاقة في لحظات قصيرة.
بالطبع، هذا لا يستمرّ لفترة طويلة، ستصطدم بالواقع بعد دقائق، ويختفي أثر هذا الأندورفين، لكنّنا نخصّص قسمًا كاملًا لهذا فيما هو آت.
الدوبامين
الدوبامين هو ناقل كيميائي يجعلك ترغب في الحصول على الأشياء، ويفرزه الدماغ عندما يقترب من الحصول على شيء جيّد، تذكّر حماسك عندما تُخبرك الوالدة بأنّها ستطبخ وجبتك المفضّلة اليوم
استهلاك المرئيات الجنسية هو أحد أسباب استهلاك دوبامينك في أمور غير صحّية، وهذا ما نحاول أن نعالجه في هذا الدليل!
العقل خُلق لكي يُقدِّر الجماع، فهذا ما يجعله يتكاثر ويحفظ النوع، لكنّ وجود هذه الميزة فيه قد يكون ابتلاءً، خصوصًا عندما يتحفّز مع المقاطع الإباحية، فهو لا يعرف أنّ هذا على شاشة، سيعامله على أنّك تجامع وتُنتج، ويفرز الدوبامين بكميّات كبيرة.
المشكلة الأكبر، أنّ هذه المواد الإباحية متجدّدة، فهناك تأثير يُسمّى تاثير كوليج، وحتّى أوفّر عليك، مختصره أنّ الدوبامين عندك يُطلق بكميّة معيّنة لأجل أنثى واحدة، لكنّه يزداد في كل مرّة تستبدل فيها هذه الأنثى بأنثى جديدة، فذلك يعني فرصة أكبر لنشر جيناتك، وأيّ مكان في العالم، يبدِّل لك أنثى جديدة في أقل من دقيقة؟ لا مكان غير الإباحيات (حتّى لو وُجد، يجب أن تكون مليارديرا لتملك ذلك، مليارديرا كفوءًا!)
السيروتونين
السيروتونين مسؤول عن تعداد المكانة التي تحظى بها، هو المسؤول عن مشية قائد عسكري منتصر بهيبة، وهو المسؤول عن مشية ذليلة لشخص عانى من خسارة.
عقلك مصمّم أن يعامل النشاط الجنسي، على أنّه عامل من عوامل النجاح، وعامل من عوامل زيادة المكانة، فعندما يكون شخص ما في مثل هذا النشاط، عقله يفرز كميّة من السيروتونين، وهذا ما يجعله يشعر شعورًا إيجابيًا حول نفسه، للأسف، استطاعت الإباحية أن تخترق هذا التصميم، فتجعل نفس السيروتونين يُفرز عندما تتابع هذه المقاطع، ممّا يجعلك تشعر بأنّ مكانتك مرتفعة.
لذلك عندما تتواجد الإباحية في حياتك، تستطيع دائما أن تنقل نفسك من أي حالة فقدان للمكانة التي تعاني منها (درجة سيئة، وظيفة متهالكة، علاقات منهارة) إلى المكانة العالية للفحل الذي يطأ عشرات النساء في جلسة واحدة، هل سيهم شيء غير ذلك عند عقلك وهو محاط بكل هذه النسوة؟
ب- كسل أجزاءك المنطقية.
عقلك المنطقي لا يحبّ الأكاذيب والتناقضات التي يحاول أن أن يُشرّبها لك عقلك العاطفي، لكنّه كسول، فيبدو أنّ هدفه الرئيسي هو أن يحافظ على مستوى الطاقة، ويتجنّب الصراعات، تمامًا عندما يبكي طفل أمام والده ليحصل على شيء، فبدلًا من أن يُجابهه بالرفض ويشرح له المضار ويقوده نحو شيء أسلم، سيُعطيه ما يريد حتّى يجنّب رأسه هذا الصداع.
عندما تواجه محفزًا لدرجة لم تشهد البشرية مثلها، كالإباحية، تخيّل كمية صراخ الطفل (الجزء العاطفي) أمام هذا المنطق الكسول، ثمّ وجود هذه المركّبات الكيميائية التي ذكرتها قبل قليل، يجعل العقل المنطقي نفسه يقوم ببعض التبريرات، فلماذا يرفض تسكينًا للألم، وحافزًا وشعورًا بالمكانة؟
إذن لو لخّصنا ما تفعله الإباحية لك:
-تُعطيك إحساسًا بأنّ طاقتك منظّمة وآلامك مُسكنّة (الإندورفين)
-تُعطيك مُتعة ملاحقة أشياء محفّزة ( الدوبامين)
-تعطيك حسًّا بالأهمّية والمكانة ( السيروتونين)
-عقل منطقي أكسل من أن يقاوم محفزًا كهذا
ببساطة يجعلك تحوّل أيّ إحساس سلبي إلى آخر إيجابي، بدون الحاجة لتعيين سبب المشكلة السلبية ومعالجته (على الأقل مؤقتًا)
ما دمتَ لا تستطيع أن تنظر إلى خارج تلك اللحظات التي تشاهد فيها الإباحيات، أقصد تلك اللحظات التي تتبع انتهاءك من الجلسة، وندمك وتأنيب ضميرك، فالولوج في مثل هذا النوع من النشاطات قد يبدو مُبررًا، وملبيًا لمتطلّبات جزء عاطفي يفضّل المتعة الوقتية، وجزء منطقي يتكسّل عن القيادة.