في عامي الأول من دراسةالهندسة المدنية وتحديدا في امتحان مادة الخرسانة المسلحة .. طُلِب منا في الامتحان تصميم عدد من العناصر الإنشائية على أن تتضمن الإجابة كراسة الحسابات التي تم على أساسها اختيار الأبعاد الهندسية لهذه العناصر وكميات حديد التسليح.. وبالإضافة لكراسةالحسابات هذه كان مطلوبا منا رسما كروكيا لكل عنصر تم تصميمه متضمنا الأبعاد الهندسية وتوزيع الحديد وأعداد الأسياخ ومقاساتها... استغرق الامتحان مدة ثلاث ساعات انهمكت خلالها بالحسابات المطولة .. تعثرت كثيرا داخل جداول التصميم وإجراء الحسابات على الآلة الحاسبة وكتابة أوراقا كثيرة تتضمن حسابات وأرقام ومعادلات.. أوشك وقت الامتحان على النفاذ وإذا بي لم أرسم شيئا.. فشرعت في الرسم ولكن الوقت داهمني دون إتمام رسمة واحدة... خرجت من الامتحان باكية.. فهذه أول مرة أشعر فيها بمرارة الفشل بهذا الشكل وزاد من حزني معرفتي أن المهم بالنسبة للأستاذ هو الجزء المتعلق بالرسم.. يهمه أن يرى العناصر الإنشائية مرسومة بشكل صحيح وحديد التسليح موزعا أيضا بشكل صحيح حتى يعرف أنك قد استوعبت ما درسته بشكل سليم، أما كراسة الحسابات هذه فلا تعني الكثير بدون رسم .. حتى إن سودتها بالأرقام فزميلك الذي رسم الكروكيات حتى بدون أرقام عليها سينال تقديرا أفضل أما أنا فمصيري الرسوب في هذه المادة وهو ما كان.. أصابتني غصة وشعرت بعدم العدالة إذ كيف أبذل كل هذا الجهد في الحسابات وأرسب، بينما ينجح من بذل عُشر مجهودي.
فيما بعد أدركت أن الهدف من الامتحان إلى جانب اختبارك في ما درسته، اختبارك أيضا في حسن استثمارك للوقت المتاح ومدى قربك أو بعدك عن تحقيق الهدف.. ففي نهاية الأمر ستتخرج مهندسا .. يعبر عن أفكاره بالرسومات.
دنيانا تشبه إلى حد كبير هذا الاختبار.. كثيرا ما نتوه في زحمة التفاصيل الحياتية ويمر الوقت .. حتى يداهمنا قطار العمر وقد استغرقنا حياتنا في تفاصيل تبعد بنا عن الهدف من وجودنا.. فحتى وإن لم نستطع إدراك كل الفضائل،فعلى الأقل ليضع كل منا هدفه من وجوده نصب عينيه ويحاول إدراك الأساسيات ويلتمس أفضل السبل التي توصله لهدفه المنشود.