"يجلسون رجلاً على رجل، وفي أجواء المنزل الدافئة، يعملون عبر الحاسوب ويجنون الكثير من الأموال"، هذا ما يتخيله الكثيرون عن الموظفين العاملين عن بُعد، فيطلقون عبارات مثل "عملك أسهل بكثير من الذهاب يومياً إلى المكتب" أو "أحمد ربك انت مابتحس بالحر أو البرد، انت قاعد في البيت!"، وغيرها الكثير من العبارات التي توحي بأنّ الموظف عن بُعد، شخص يعيش في هناء ورخاء ولا يُعاني من متاعب الحياة المهنية، وفي المقابل أيضاً، يجني الكثير من الأموال جرّاء بقائه خلف الشاشات!.
مؤخراً نشر موقع " Global Workplace Analytics" المتخصص بالأبحاث المتعلقة بالعمل، تقريراً ذكر فيه أنّ عدد المقبلين على العمل عن بُعد ازداد في السنوات الأخيرة بنسبة 159%، في الفترة مابين 2005 إلى 2017م، ونظراً لأنّ تجربة العمل عن بُعد باتت تراود الكثيرين، سأذكر هنا بعض من تلك الصعوبات التي واجهتها من تجربتي الشخصية في السطور التالية.
قبل كل شئ، أعاني من عدم الانضباط، حيث أشعر في بعض الأحيان إلى عدم الحاجة إلى بدء العمل في ساعة معينة، ما يؤدي إلى تراكم الأعمال التي ينبغي عليّ إنجازها في وقت قصير!، أي أنّ إنتاجيتي تبقى متأرجحة إنّ لم أحافظ على تحفيز نفسي ذاتياً والانضباط بشكل مستمر، ونظراً لعدم وجود أصدقاء أو زملاء عمل، فلا يوجد تفاعل اجتماعي، لا توجد حوارات من فرد لآخر، وهو ما يُغرقني في دوامة من الوحدة إنّ أفرطت في العمل ولم أعطي نفسي حقها من الخروج مع الأصدقاء والمقربين وحضور المناسبات الاجتماعية، إضافةً إلى ذلك أشعر في أوقات كثيرة أنّ العمل عن بُعد، يُكلّف الموظف أو يضيف على كاهله ضرورة التعلم المستمر، فينبغي عليّ اللجوء إلى التعلم الذاتي وحضور أكبر قدر مستطاع من الدورات التدريبية على حسابي الخاص، وأحرص على بناء شبكة علاقات وتواصل بمجهودي الذاتي وبوسائل مختلفة ومتعددة كشبكات التواصل الاجتماعية مثلاً، عكس ما كنت أجنيه من سهولة فرص تكوين العلاقات وأنا في المكتب أو مقرّ العمل.
إضافةً إلى ذلك، العمل عن بُعد تنقصه من وجهة نظري، روح التنافس وبالتالي لا توجد ترقيات أو علاوات أو حتى أجور ثابتة من الجهات التي تتعامل معها عبر الحاسوب أو الشبكة العنكبوتية، ولا يوجد سلم وظيفي يُشعرني بالترقيّ في المناصب، وغالباً ما أكون متذبذبة ما بين عميل وآخر في الأوقات التي لا أتعاقد فيها مع مؤسسة أو منظمة واحدة بعينها لفترة لابأس بها من الزمن، ولأن العمل كما أسلفت عبر الحاسوب فهو مرهق، مضني، لولا إتباعي لنظام صارم يفصل بين أوقات العمل وأوقات الراحة وأوقات لنفسي وللترفيه، لربما أصبت ببعض الأمراض التي يُصاب بها بعض الأشخاص من آلام في الرقبة أو الظهر أو ضعف النظر، ولنزد على الطين بلة، حدثت معي الكثير من المشاحنات وسوء الفهم جرّاء كثرة المراسلات الإلكترونية!
نصيحتي الشخصية، لا تتسرعوا في الاستقالة من وظائفكم أو تتذمروا من ازدحام وسائل المواصلات أو قسوة البرد وشدة الحرارة، فلكل نوع من الأعمال متاعبه الخاصة، التي لا يُدركها إلا من خاض هذا الغمار، وإذا كنتم ممن يعملون عن بُعد، شاركونا تجاربكم الخاصة وبعض المتاعب التي واجهتموها في هذا السياق؟
التعليقات