بسم الله الرحمن الرحيم
مقتطفات من كتاب ( موسوعة بلومزبري في (فلسفة الطب النفسي) )
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد
كتاب ( موسوعة بلومزبري في ( فلسفة الطب النفسي ) )، ترجمة: د. مصطفى سمير عبد الرحيم، تقديم: د. عبد الله بن سعيد الشهري، ابن النديم للنشر والتوزيع - الجزائر- وهران، دار الروافد الثقافية - ناشرون، الحمراء، بيروت - لبنان.
1- أجرى روزنهان زوجاً من الدراسات المشهورة التي من شأنها أن تقوِّض بشكل جذري المشروعية العلمية للتشخيص السريري، خاصة في نظر الجمهور. ففي دراسته الأولية اتفق روزنهان مع سبعة متطوعين آخرين على إدخال أنفسهم إلى عدة مصحّات عقلية. وأوعز إليهم ادعاء أنهم سمعوا صوتاً يقول لهم كلمتان " thud" و "hallow". وطلبَ منهم الإجابة بأمانة على جميع الأسئلة الأخرى. لقد اختار هاتين الكلمتين على وجه التحديد لأنهما لا تتوافقان مع نمط معروف من العُصاب في الـ DSM II. تمَ قبول إدخالهم إلى المصحّات العقلية، باستثناء واحد منهم تمّ إدخاله تحت تشخيص الفصام. وقضوا 52 يوم قبل أن يتم إطلاق سراحهم، بالرغم من حقيقة أنهم لم يمثّلوا أو يلعبوا دور ظهور أي أعراض لأي اعتلال ذهني، إلا أنّ روزنهان بدأ يلحظ أنّ أي سلوك يصدر عنهم يتم تأويله إلى علامة على اعتلالهم الذهني الأساسي. فالذي يدوّن بعض الملاحظات لغرض الاستفادة منها لاحقاً يتم تأويله على سبيل المثال إلى أنه ينخرط في سلوك كتابة غير عادي، ومن يتحدث مع الطبيب النفسي عن طفولته وأُسرته يتم تأويله إلى أنه يعاني من مشاكل الوشاية العُصابية في مرحلة الطفولة المبكرة. وبما أنّ هؤلاء الأشخاص لم يكونوا من الناحية الأخرى يعانون من الكرْب، ادّعى روزنهان أنّ العملية التشخيصية لم توضّح "الاعتلال الذهني" الأساسي في أيٍ من المرضى المزيفين، بل عوضاً عن ذلك، كانت العملية التشخيصية غير علمية وغير قابلة للتكذيب. بعد أن نشرَ روزنهان نتائج دراسته، سعت عدة مصحّات إلى تحدّي نتائجه من خلال إعادة التأكيد على صحة العملية التشخيصية. وادّعوا أنّ مصحّاتهم ما كانت لتنطلي عليها حيلة روزنهان وتحدّوه طالبين منه أن يرسل لهم مرضى مزيفين لأجل تحليلهم. وافق روزنهان على ذلك، وبالرغم من حقيقة أنه لم يرسل مرضى مزيفين بالفعل، إلا أنّ هذه المصحّات شككت في 41 مريض من مرضاهم الجُدد ( أي ما يعادل 20% من المرضى الجدد خلال 3 أشهر) على أنهم مرضى مزيفين أرسلهم روزنهان. على ما يبدو أنّ العملية التشخيصية لم تكن قادرة على الفصل بدقة بين المعتلين ذهنياً والأصحاء ). الصفحة (19-20).
{ ما الذي يعنيه أن كُلّ من يكتب ملاحظات دلالة على نوع من الكتابة غير العادي؟ هل هذا يعني أن كُل الموظفين الذين يكتبون الملاحظات في دفاترهم وأوراقهم لأجل العمل هم مرضى نفسانيين أو معتلّين ذهنياً برأي الطبّ النفسي؟
وماذا يعني أن كُلّ من يتحدّث أمام الطبيب النفسي عن طفولته فهو مُصاب بالوشاية العُصابية وما إلى ذلك هل هذا يعني أن كل من يراه الطبيب النفسي يتحدّث عن طفولته فهو مريض نفسي ولا ريْب لدى الأطباء النفسانيين والممرضين النفسانيين سواءً كان في المصحّات العقلية أو في الحياة العامّة؟ أم إن الطبيب النفسي والمُمرِّض النفسي يترك عمله في المصحّات قبل أن يخرج منها وبالتالي يتغيّر تشخيصه بالكامل خارج العيادة النفسيّة والطبّ النفسي؟ فهل هذا يعني أن لدى الطبيب النفسي ازدواجيّة في المعايير فكُل قرارات المريض النفسي دائماً خاطئة وتدلّ على مرض نفسي ما أمّا قرارات الأشخاص العاديين فدائماً حرّيّة شخصية لا ينبغي المساس بها؟
ما الذي يعنيه أن يُفسّر الطب النفسي كُلّ شيء صادر من المريض النفسي على إنه دلالة على مرض نفسي؟ فماذا عن مثل هذه الدلالات إذا رءاها لدى الناس العاديين في الحياة العامة خارج المصحّات العقلية وخارج الطب النفسي وخارج الدوام الرسمي له كأطباء نفسانيين وممرضين نفسيين؟ فهل سيشخّص الجميع على أنهم مرضى نفسانيين أم ماذا سيفعل؟ أليس هذا الأمر مشابه لمُصلِّح المكائن أو السيارات الذي أصبَح يرى كُلّ الناس على أنهم مكائن وسيارات فيقول عن هذا خرِب وهذا مُعطّب وهذا مُصدّي، فماذا سيقول حينها عنه الطب النفسي فهل هو عاقل أم مريض نفسي أم مجنون أما ماذا بالضبط؟ وفي كُلّ الأحوال ستكون إجابة الطب النفسي خاطأة لأنه إن كان عاقلاً فكأنه يسمح للجميع أن يتصرّفوا في الآخرين بما يحلوا لهم ويصبحوا أشبه بأطباء خاصّين بهم، فيُصبِح لدينا أطباء ميكانيكيين أو شيء من هذا القبيل فيظن الميكانيكي أن بمقدوره معالجة الناس بعلم الميكانيك وتصليحهم كما يُصلِح هو السيارات والمكائن، أما إن قال الطب النفسي أن ذلك ليس من حقّ الميكانيك أن يُعالِجوا الناس بعلوم الميكانيك، فإذن الطب النفسي ايضاً لا يحقّ لهم أن يُعالجوا الناس لأنه يُعالِج كمثل ما يريد الميكانيكي أن يُعالِج الناس، فهو يتعامل مع المرضى النفسيين كمثل ما يريد الميكانيكي أن يُعالِج الناس، فهو يُطبّق عليهم كُلّ علومه بحجّة أنه طبيب نفسي وممرض نفسي وبحُجّة أنّهم مرضى نفسانيين، ولكن الطب النفسي يُحلِّله ويبيحهُ لنفسه ويُحرّمه على غيره. كما إن تشخيص الطب النفسي لمرضاه يكون دائماً غير عادل لأنه يرى بأن علم الطب النفسي لا يسري إلّا على مرضاه ولا يسري عليه ولا على من هم ليسوا من مرضاه فهو بالمعنى الصريح ( يكيل بمكياليْن ) دون أن يُبالي ودون أن يُبالي أي أحدٌ آخر. وكأن الجميع مُتفّق على أن يكيلوا دائماً بمكياليْن ضدّ المرضى النفسانيين. وكذلك هو الأمر لدى الميكانيكي فالكُل يتّبع طريقته في تصليح سياراتهم ومكائنهم ولا يتّبعوا طريقة الطب النفسي في تصليح سياراتهم أو غيره ولكن من هو عميل (مريض) الميكانيكي هل هي السيّارة أم صاحب السيّارة؟ فإن كانت السيّارة هي المريض لدى الميكانيكي فكيف سيكون ردّ فعل الناس إذا قام صاحب السيّارة بإصلاح سيارته الخاصّة بطريقة مُختلِفة عن الميكانيكي فهل سيكون حينها مجنون أو مريض نفسي وبقرار ممن؟ هل هو بقرار من الطبّ النفس أو بقرار من الميكانيكي؟ فكيف سيُشخّص الطبّ النفسي مرض صاحب السيّارة إن لم يكن بالاستعانة وباستشارة خاصّة من الميكانيكي والميكانيكيين في كيفيّة تصليحه لسيّارته وأي قوانين علميّة قام باختراقها؟ فمن حينها سيكون له قرار تشخيص صاحب السيّارة على أنه مجنون أو مريض نفسي هل هو الميكانيكي والمكانيكيين أم الطبّ النفسي؟ }.
2- عندما كان عمري 17 عاماً، أصبحتُ مكتئباً جداً لدرجة أنّ ما شعرتُ به كان أشبه بثقب أسود هائل ظهر في صدري. لا يفارقني أينما ذهبت. ولكي أُعالِج مشكلة الثقب الأسود، أخذني والداي إلى طبيبة نفسية في مستشفى جونز هوبكنز. فأجرت تقييماً وأخبرتني هذه القصة: "المشكلة فيك"، ووضحّت قائلةً، "إنّ لديك خللاً في التوازن الكيميائي. إنه بيولوجي تماماً مِثلَ مرض السكري، لكنه في دماغك. حيث تكون المادة الكيميائية في دماغك المسمّاة السيروتونين منخفضة للغاية. ولا يوجد ما يكفي منها، وهذا ما يُسبِّب خللاً في التوازن الكيميائي. فنحتاج أن نعطيك دواءً لتصحيح ذلك". ثم سلّمت والدي وصفة طبّية للبروزاك). الصفحة (115-116).
{ما الذي يعنيه إنه مثل مَرَض السُكّري؟ هل هذا يعني إنه لا فرار منه ولا علاج؟
ولكن ماذا لو أنه اختفى عنه المرَض؟ فهل سيكون قد تعالج من مرضه ولم يعُد بحاجة إلى الدواء؟ أم إنه يجب أن يأخذ الدواء كما مرضى السُكّري تحسّباً لأي انتكاسة؟
فإن كان الأمر كذلك فلماذا لا يُوضع تحت المُراقبة عند اختفاء الأعراض ونقصد المريض النفسي وليس المريض بالسُكّري، ثم يتم إلغاء الدواء عنه دفعةً واحدة لرؤية الأعراض الجانبية لترك العِلاج فإن لم تظهر أي أعراض جانبيّة فهذا يعني أن المريض النفسي لم يعُد بحاجة إلى العلاج أو الدواء لأنه تعالَج فعليّاً من مرض الاكتئاب أو من مرضه أيّاً كان مرضَه النفسي وبالتالي يبدو جَليّاً أن المرَض النفسي ليس كمرَض السُكَّري لا من قريب ولا من بعيد, فلماذا إذن تقول له الطبيبة إن مرضهُ كمرض السُكَّري, فهل يُعقَل أن الطب النفسي لم يُجرِّب قطع العلاج عن المرضى النفسيين ليرى الآثار الجانبية للتوقّف عن العِلاج؟ أم إنه أي الطب النفسي والطبيب النفسي لا يريد لأحد أن يظن بأن هناك علاج من المرَض النفسي ويريد أن يُصدِّق المريض بأن مرضَه مُزمِن رغم إنه يعلم بأن مرضَه ليس بمزمن؟ فما الذي يعنيه هذا؟
وما الذي سيحدث إن توقّف مريض السُكَّري عن أخذ دواءه؟ ألن يُصاب بأعراض مرَض السُكّري على الفور أو قريباً؟
ولكن ما الذي سيحدث إن توقّف المريض النفسي عن أخذ دواءه؟ ألن يرى بأنه لا شرّ عليه ويتأكّد حينها بأنّه ليس كالمريض بالسُكّري وسيجد نفسه لم يُصاب بأي مرَض سوى إنّه لم يعد يأخذ العلاج أو الدواء كمثل الذي شرب دواء أو أخذ دواء الزُّكام أو النزلة البرديَّة ثم وبعد أن تعالَج من زكامه ترك العِلاج ولن يجد أحد أن الأمر غير ذلك فماذا سيفعل حينها الطبّ النفسي؟
ألن يُهدّده بالحجز في الطبّ النفسي إن لم يأخذ علاجه، فماذا لو رضَخ المريض النفسي السابق لأوامر الطب النفسي واشترى العِلاج أو الدواء ثم وبعد ذلك تركَه مخزِّناً عندَه لا يقربه؟ فماذا سيفعل الطب النفسي؟
ألن يطلب بعد ذلك من المريض النفسي السابق أن يحضر للمواعيد مع الطبيب النفسي في الطب النفسي ليعطوه العِلاج بالإبرة ليتأكّدوا من إنّه يأخذ علاجه؟ فما هي إذن الأدوية التي يأخذها المريض النفسي السابق والتي يريد منه الطبيب النفسي والطب النفسي الاستمرار في شرائها وأخذها؟ فهل هي أدوية مُضاعَفة أم ماذا؟
وهل هي حقاً أدوية لعلاج مرَض نفسي أو مرَض جسدي مُعيّن أم إنها مُجرّد مهدئات لا فائدة منها سوى أن تُري الجميع بأن المريض النفسي السابق لا يزال مريضاً نفسياً ولم يتعالج من أي مرَض كما يظن هو المريض النفسي السابق نفسه؟ فلا يُمكِن إلّا أن يكون الأمر كذلك ولا ريْب والعلم كُلَّه عند الأقدم الأقدم فهو الأعلم والله ولاريْب يعلَم ُ ذلك. }.
التعليقات