عندما سُئل أينشتاين كيف يفكر قال: أنا أومن بالحدس وبالإلهام. أشبه الفنان في تعويله على الخيال؛ فهو لعب واعي بالتصورات وأهم من المعرفة. فالمعرفة محدودة أما الخيال فواسع يجوب الآفاق ويحيط بالعالم.

يفرق الناقد الإنجليزي صامويل كوليردج بين مصطلحي " التوهم Fancy والخيال Imagination" فالأول قدرة ساذجة تقوم بالتركيب العشوائي الميكانيكي للانطباعات الحسية؛ فهي لا تأتي بجديد. مثال ذلك أبو الهول، رأس الإنسان وجسم الأسد أو القنطور (Centaur)المخلوق الخرافي ذو مقدمة الإنسان ومؤخرة الحصان. هذا توهم ساذج، خيال طفل، لا يقدم ولا يؤخر ولا يعين على فهم العالم ولا يتبصر في حقائق الوجود. من هذا النوع أيضاً حكايات ألف ليلة وليلة؛ فهي توهم عقيم موقوف التنفيذ يعبر عن رغبات مكبوتة وأحلام يقظة (والتي نعشقها نحن العرب!!)

 أما الخيال فهي ملكة خلاًقة تؤلف وتوحد بين العناصر وتأتي بعنصر جديد كل الجدة. فهي أشبه بعملية التفاعل الكيميائي كأن تندمج ذرتا هيدروجين مع ذرة أكسجين فينتج عنصر المياه وهو جديد كل الجدة.  فهل غازي الهيدروجين والأكسجين يشبهان من قريب أو بعيد الماء وخصائصه؟! كذلك فهو يجمع بين الأضداد في النفس الإنسانية فيكشف بذلك عن تركيبة مختلفة لم نكن ندركها ومثال ذلك هاملت شكسبير بما فيه من أضداد التردد و الأقدام و الإحجام....إلخ. فكشف عن مرض نفسي عيُنه فرويد عنه فيما بعد.

ولكن هل ملكة الخيال تلك قاصرة على الشعراء أو الفنانين العظام دون العلماء؟ لا، بل كان أينشتاين يملك تلك الملكة؛ فخياله النشط القوي أفضى به إلى فهم أعمق وأصح للعالم. فهل كان أينشتاين ليكشف عن نظريتيه في النسبية لو لم يكن يتخيل أوضاع المسافر وقد ركب شعاع الضوء ومراقبته للوقائع الفيزيائية من زاويته هو كمسافر؟ لقد غيًر خياله القوي من تصورنا للجاذبية؛ فلم تعد هي تلك القوى الخفيًة، العفاريت إن شئت، التي تربط أجرام الكون عن بعد. بل هي ترابط وتجاذب ناجم عن انحناء متصل الزمكان. فالفضاء مسطح اقليدي طالما ليست فيه مادة. ومتى حضرت المادة فإنه ينحني مما يولد التجاذب. وهل كان مفهوم متصل الزمكان يوجد إلا من خيال قوي أصلاً؟!

ما رأيكم الشخصي في الخيال وكيف نُنًميه؟ ولماذا نحن كعالم عربي قاصرون عن الخيال الخلاق؟ أم ترون أننا نملكها حقيقةً؟