من المعلوم قطعاً أن الملك لله تبارك وتعالى في الدنيا والآخرة فهو جل جلاله وتباركت أسمائه الخالق وحده لكل شيء , والمالك وحده لكل شيء , إذاً ما الحكمة من تخصيص يوم الدين بالملكية لله تبارك وتعالى , " مالك يوم الدين " ؟! والله تبارك وتعالى له ملك الدنيا والآخرة , نقول وبالله التوفيق وعليه التكلان , هذا الرسم لكلمة "مالك" وتخصيص الملكية بيوم الدين في الآية الكريمة كلاهما يشير إلى إختلاف حاصل في الملكية يوم الدين عن الملكية لله تبارك وتعالى في الدنيا , "مالك يوم الدين " بهذا الرسم لمالك والتخصيص تعني الملكية الكاملة المطلقة التي لم تدع من الملكية شيئاً لأحد ولو مثقال ذرة ولا مشيئة لأحد ولا تصرف , ولا حتى أن يحرك شفتيه بكلمة إلا بإذنه جل جلاله وتباركت أسمائه . ..
في الحياة الدنيا كانت السموات والأرض مسخرة للإنسان بأسبابها , بحكم الإختبار الذي خلق من أجله الإنسان وهذه الساحة الكونية للإختبار الأرض وسقفها وما بينهما , كل ذلك كان مسخراً مذللاً للإنسان بحكم الإختبار وبحكم الخلافة الذي منحه الله تبارك وتعالى لهذا الإنسان , وهداه النجدين إما شاكراً وإما كافوراً , فالإنسان كانت له في الحياة الدنيا ملكية خاصة للأسباب , وما ينتج عنها من ملكية لأعراض ومتاع وزينة , فهذا يقول مالي , وآخر يقول أرضي , وذاك يقوم بيتي ومتاعي , وهكذا كانت الأعراض والمتاع الدنيوي يُنسب إليه , وكثير منهم مساكين ينسى أنه معدوم في صورة الموجود , وفقير في صورة الغني , ومملوك في صورة مالك, لأن الحياة الدنيا كلها أعراض ومتاع , وأسماء وصور , ولعب ولهو , وليست جواهر وحقائق , أما من ناحية الحق والباطل , فإن الحق فيما جاءت به رسل الله تبارك وتعالى وأنبيائه حصراً وقصراً , وكل ما سواه إما فضل علم من ظاهر الحياة الدنيا , وإما باطلٌ صرف , والدنيا زائلة فانية بانتهاء وقت الامتحان, وتذهب معها هذه الأرض وهذه السموات التي كانت مسخرة للإنسان بأسبابها , ويُنشئ الله تبارك وتعالى كوناً جديداً بموصفات آخرى ونواميس قابلة للخلود ومعدة لذلك , وليس للإختبار كما كان الحال في الحياة الدنيا , فيوم الدين لا أسباب مسخرة لأحد , ولا مشيئة لأحد , ولا تصرف من أي نوع إلا بإذن الله تبارك وتعالى , حتى يفرغ الناس من الحساب , فريق في الجنة لهم ملكية كاملة على ما فيها , تسخير كامل و غير محدود ـ كما كان التسخير في الدنيا ـ , والأسباب فيها كاملة ً تامة غير منقوصة ومبتورة ـ كما كان الأمر في الحياة الدنيا ـ, ففي الدنيا كانت مشيئتهم غير مطلقة والأسباب كذلك غير مطلقة " وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين " أما في الجنة " لهم فيها ما يشاءون خالدين ..." الآية ,
أما النار وأهلها ـ نسأل الله تبارك وتعالى العفو والعافية ـ فعكس ذلك تماما ً فلا مشيئة فيها لأهلها ولا أسباب مسخرة لهم البتة , ولا يقدرون على فعل أي شيء , وليس لهم إلا إرادة خاوية ليس لها أي سبب , وأماني ذاهبة عنهم بعد فترة من العذاب !