إذا نظرنا إلى حالنا نحن معشر العرب في أي مجال. فسنرى أن النجاح ليس سمة سائدة وصفة معتادة. بل هو شيئ شديد الندرة، فلتة لا يجود بها الزمن إلا مرة كل بعضة سنين . . . . أو ربما عقود. فإذا نظرنا مثالا إلى مجال الرياضة وتحديدا كرة القدم، فلم يكن من المعتاد بالنسبة لنا أن نرى لاعبا عربيا ناجحا في أوروبا، إلى أن جاء لاعبون مثل رياض محرز، حكيم زياش، وطبعا المتألق دائما، محمد صلاح فحطموا الفكرة الراسخة في عقول بعضنا أن النجاح الكروي في بلاد الغرب هو ضرب من ضروب الخيال. فلننتقل إلى مجال العلوم العقلية، من منا بلغ العالمية وأصبح أحد القامات العلمية المعترف بها والمأخوذ برأيها في العالم. مصطفى مشرفة، أحمد زويل، سميرة موسى . . . الخ. المشكلة ليست في هؤلاء الأسماء، ولا في النجاح. فالنجاح شيئ محمود. ولكن المشكلة عندنا نحن، فليس لدينا منظومة واضحة تهدف لإنشاء جيل من المثقفين مثلا، أو العلماء، أو حتى الرياضيان. وحتى عندما يُرى في أي نَبتٍ صغير بارقة أمل. في الغالب يأخذ حظه من السخرية حتى ينسى حلمه. لا أجد تعليقا أبلغ مما قاله د. أحمد زويل " الغرب ليسوا عباقرة ونحن أغبياء ؟! هم فقط يدعمون الفاشل حتى ينجح، ونحن نحارب الناجح حتى يفشل ؟! " وأنتم أصدقائي، ما رأيكم. أين موطن الخلل، وكيف نعود إلى ما كنا عليه قبل قرون مضت من علم ونور وريادة في كل المجالات ؟
لماذا النجاح عندنا صدفة ؟!!
لا أحب تجميل الواقع، لذا علينا الاعتراف بأن مجتمعاتنا اليوم هي مجتمعات تعادي النجاح والتفرد والتميز والإبداع ، وتعيش دائمًا وفق القليل المتاح، خوفًا من خسارة هذا المتاح إذا فكر المرء خارج الصندوق أو فكر بأمر يحبه أو بموهبته، ولذا فتدفن الطاقات قبل اكتشافها حتى، ويظل الحظ الأوفر للعنيدين الذين يفضلون ملاحقة أحلامهم وأهدافهم خارج البلدان النامية كما يدعونها، ففي البلدان المتقدمة لا يبحث أحد عن وظيفة حكومية، ولا "يضطر" الجميع لدراسة الجامعة والاختصاص حتى يتمكن من الحصول في ما بعد على وظيفة محترمة محتملة، وإنما يتم تشجيع قيم العمل الحر والاستقلالية، والفن والكتابة والرياضة وكل المواهب الممكن وجودها لدى الفرد
اختلف معك في هذا فأنت تربط النجاح بالعمل في الخارج والشهرة ومن قال أن هذا هو النجاح ومن قال أن هذا هو الهدف الأسمى الذي يسعى إليه كل من في العالم العربي؟ يوجد العديد من الناجحين المحليين وكذلك يوجد العديد من الناجحين غير المشهوريين وليس من المفترض أن ترتبط الشهرة بالنجاح على أي حال.
وبناء على هذا فالنجاح ليس صدفة بل هو مقدار كبير من العمل المجتهد والدؤوب والذي لا يهتم بشهرة أو منصب أو صيت وإن أردت أن أحكي عن الناجحين الذين فضلوا البقاء في بلادهم بدل الإقامة في الخارج لكان من الأمر تقليل من شأن عدد كبير غير مشهور منهم.
د. أحمد زويل " الغرب ليسوا عباقرة ونحن أغبياء ؟! هم فقط يدعمون الفاشل حتى ينجح، ونحن نحارب الناجح حتى يفشل ؟! "
أنا أحب دكتور زويل ولكن اختلف معه أيضًا في هذه المقولة. فلا أحد يحارب الناجحين هنا عن قصد على الأقل فالأمر ليس مؤامرة بل هو ناتج تراكم سنوات من الجهل والبلادة والفساد في كل شيء فأصبح من لديه الفرصة يفضل الخروج بدلًا من البقاء في وضع كهذا وبالتالي بداية تغيير هذا الوضع أن نغير من أسس المجتمع نفسه ومن طريقة تفكيره السامة التي تؤذي الناجحين في بلادنا.
السلام عليكم ورحة الله وبركاته، سعيد بالحديث معكي سيدتي وأرجوا أن يكون هذا باكورة نقاش مثمر يثري معرفتنا جميعا.
أولا، أنا لم أربط النجاح بالعمل في الخارج أو الشهرة. لكنني ذكرت العمل في أوروبا عندما تحدثت على كرة القدم بالتحديد لأنه في زماننا هذا، أوروبا هي القارة تعد معقل هذه الرياضة، فهي المكان الذي يتطلب أعلى جودة، لذا، فكونك لاعب كرة قدم نجحت في اوروبا فهذا يدل شئت أم أبيت على نجاحك وتفردك في هذا المكان. لكن على كل حال، أنا أتحدث عن مبدأ. أنا لا فارق عندي بين العمل داخل مصر أو خارجها. فليس هذا هو معيار النجاح والتفرد. لكنني أريد أ، أسألأ، كم عالما مصريا مثل أحمد زويل موجود حاليا؟ سواء داخل أو خارج مصر. عدد قليل جدا جدا جدا. وهذا هو بيت القصيد. عدم وجود فلسفة واضحة لانشاء جيل ناجح في أي دولة. هو بحد ذاته فشل. هذا لا يسر على الدول التي تعاني من حروب أو كوارث طبعا.
وأيضا فأنا قد أوافقك على أن الأمر ليس مؤامرة، لكن اريدك ان تفكري بصدق، كم دولة وكم شركة من مصلحتها ان نظل معتمدين عليها كليا في اقتصاديا وعلميا. مثلا، ان اجتمع بعض الشباب غدا واخترعوا تكنولوجيا جديدة واصبحت الشركة المصرية أو العربية الأولى عالميا؛ كم سيؤثر هذا على الشركات الخارجية. انا لا أعني شيئا محددا، لكنه مجرد تفكير منطقي. كنت أنت كمسلم وعربي سيد العالم لقرون. ولم يستطع الغرب الوصول لما وصلوا إليه الان إلا بعد أن أهملت أنت العلم، - نتيجة سياقات سياسية وتاريخية يطول ذكرها - فهل من مصلحة احد ان تعود انت برجالك ليكون منكم مئات والاف العلماء والمثقفين. انا لا أعني شيئا محددا، لكنه مجرد تفكير منطقي.
وكما ذكرت، فما نحن فيه الان نتيجة الجهل والبلادة والفساد وهذا صحيح، مما أدى إلى تغير أيدولوجية الشعب وطريقة تفكيره، وعلى فكرة، كلامك هذا موافق لكلام د. زويل. فعندما لم نعد نهتم بما عندنا من موارد بشرية - نتيجة الجهل والبلادة والفساد - اصبحنا نحارب الناجح بطريقة غير مباشرة وغير مقصودة كنتيجة لتغير عقلياتنا ونظرتنا للأمر. فكلامك يا سيدتي وكلام د. زويل متوافق.
وأيضا حديثي لا ينفي قدر من اجتهد وظل في بلده. لكن كما قلت فأنا لا فارق عندي بين العمل داخل مصر أو خارجها. فليس هذا هو معيار النجاح والتفرد. لكنني أريد أن أسأل، كم عالما مصريا مثل أحمد زويل موجود حاليا؟ سواء داخل أو خارج مصر. عدد قليل جدا جدا جدا. وكما قلت أيضا، فهذا هو المقصود.
عندما ينشأ نابغة ذو عقلية فذة وينظر الى بلده فلا يجد فيها ما يحتاجه من أدوات علمية ومختبرات مجهزة يخرج مرغما للعمل في الخارج، لعدم توافر ما يحتاجه في بلده. ولتوافر البيئة العلمية المناسبة في الخارج. وأنا لست ضد هذا، فقد انتهى ومضى. لكنني ضد أن نظل على الحال هذا. بدون أي مختبرات مجهزة واستقدام لكوادر علمية من مختلف دول العالم.
فعندما نوفر البيئة العلمية المناسبة، ونغير من نظرتنا للأمور، - وهذا يكون على مدار سنين، فما فسد في سنين، لا يمكن أبدا إصلاحه في يوم واحد - سنجد أن المواهب الحقيقية بدأت تطفوا على السطح. وبدأت مصر تعود كملتقا علمي كما عهدها العالم. وهذا لا يتأتي إلا بفلسفة شاملة، تضم الانتهاء من حالة الضعف التي نحن فيها الان كعرب ومسلمين، وتقوية صوتنا سياسيا واقتصاديا. وهذا كلام قد يظهر أنه سهل. لكن هذا على الورق فقط. أما على أرض الواقع، فهو مجهود شاق يحتاج لعشرات السنين من العمل.
مهتم بأن أعلم رأيك سيدتي. والباب مفتوح لكل من يريد الانضماما إلينا والحوار معنا.
التعليقات