وجـــوه ..

أحياناً تكون الأماكن وطن ، وأحياناً تكون الأماكن سجن ، وأحياناً تكون ذكريات ، وأنا أدور في مكاني لأكتشف ذلك الوجه المختبئ في داخلي ، الوجه الذي يختفي خلف الحواجز وخلف الملامح وخلف الألم وأسأل نفسي هل الروح يربطها مكان ، او الأماكن ترتبط بالجسد ، ام أننا نألف بعضنا البعض ، وفكرت في هذه النقطة ، حتى المسجون تتكون بينه وبين زنزانته ألفة ، وتتراكم فيها الذكريات ، لكنها ممقوتة في داخله يختفي ذلك الشعور المقيت في داخله لأنه لا يملك خياراً آخر .

ورغم ذلك احياناً نكون في زنزانة ذاتيه نربط أنفسنا بأماكن او بالأصح نسجن أنفسنا في أماكن نظن أننا لو فارقناها سننتهي ، فالسجن ليس حيز مغلق في هذه الحالة بل هو قيود ذاتيه ، نحن نصنعها ونظن أننا ملزمون بها ، وفي الواقع لا قيود ، ولا زنازين ، فقط هي نفوسنا التي تسجننا في وضع معين ومكان معين .

كل منا له وجه في الصباح ووجه في المساء ، فحين نذهب للعمل نقابل المراجعين ، نتعامل معهم بشكل آلي مصطنع ، وهذا الأسلوب في إطار الوظيفة ، وفي المساء ، نقابل أصدقائنا بوجه آخر تغلب عليه البشاشة والسرور ، وحين نكون لوحدنا ، نكشف كل الوجوه التي بداخلنا ، الوجوه التي ارتبطت بالأماكن والأشخاص ، فكم وجه رأيناه تهللت وجوهنا فرحاً وكم وجه رأيناه انقلبت ملامحنا للضيق ، وكم مكان أيقض فينا مشاعر تحمل تعابيرها وجوهنا .

لا احب أن أتكلم عن وجوه النفاق ، ووجوه الخديعة ، ووجوه التملق والكذب ، لكنها بالفعل موجودة نشاهدها ، أو ربما نستخدمها سواء برغبتنا أو مضطرين ، فنحن نحمل كل الملامح في وجوهنا فنخفي ما نريد ونظهر ما نريد .