ما هي الزاوية التي تنظر من خلالها الى العالم من حولك !؟
ان الجزء الأعظم من شخصية كل واحد منا يعتمد على عدسة و جودة النظّارة التي يرى بها الوجود
لكل منا رؤية مختلفة تنتج عنها منهجية معينة في التعامل مع الاحداث المحيطة به
فمثلاً تجد ان المعايير التي يستند اليها المؤمن الحقيقي الذي جعل نفسه مصداقاً لهذه الآية
﴿قُل إِنَّ صَلاتي وَنُسُكي وَمَحيايَ وَمَماتي لِلَّهِ رَبِّ العالَمينَ﴾ [الأنعام: ١٦٢]
تختلف جذريا عن تلك التي لا يرى صاحبها سوى الطبيعةً ربّاً و المادة منشأً و مئالاً و بلنتيجة لا يعترف بشيء ماورائي. كذلك يختلف اسلوب حياة الشخص الذي يصب كل اهتماماته في الجانب الملذاتي للحياة باحثاً عن كل شي ممتع بأي ثمنٍ كان مع الآخر الذي انهكه البحث عن اجوبة لأسئلته الوجودية التي لا يرى هناءَ العَيشِ الا بإيجادها
كيف تتشكل لكل منا نظرته الكونية ؟
الجواب هو {الخلوة} بنوعيها الإختياري و القهري
قد تمضي سنين على الانسان و هو منشغل بامور روتينية كالدراسة، العمل، الممارسة المهنية لرياضة معينة، الانخراط في صداقات تهتم بلترفية بحيث تشغل الجانب الاعظم من حياته او امور اخرى من هذا القبيل. قد يكون الفرد في هذه الفترة كالنائم الذي تمر عليه الايام و هو في حلم لا يشعر خلاله بصراع الغائية الباطني و لا تؤرقه تطلعات النفس الماورائية
و في يوم من الايام ترميه إحدى نوائب القدر بسهمٍ فتلقيه صريعاً يلتمس الدواء لجرحه العميق
نعم انها الاحزان و الصدمات التي تُفقد صاحبها القدرة على الاستمتاع بأي شي كان يلهو به قبل ذلك و تزج به في خلوة قهرية مع نفسه يحاول في البداية الفرار منها بأي طريقة كانت (و للأسف هذا ما ينصح به معظم اطباء النفس الحاليين) غافلاً عن ان هذه هدية ساقها الله اليه توقظه من سباته الممتد لفترات طويلة و تنير بداخله الجانب المتسائل و الباحث عن المعنى
هنا تبدأ الأسئلة الوجودية تجتاح كيان الانسان مهددةً إيّاه بالعذاب ان لم يقدم لها اجوبة مقنعةً شافيةً
قد يكون معظمنا جرب هذه اللحظات أما بلنسبة للذين لم يجربوا بعد فأنصحكم بلنوع الثاني للخلوة ان تختاروا اوقاتاً تخلوا فيها بانفسكم متسائلين متفكرين في انفسكم و ما حولكم لتنتقلوا من سطحية الفكر الى جوهر ذواتكم فترتقوا من مستنقع الحياة الروتينية واضعين حداً لذلك الحلم اللعين الذي سينتهي رغماً عنا في اي لحظه من اللحظات.