الضّاوية، أرملة مغربية شابة، في بداية عقدها التالث، أم لأربعة أيتام، تستمد قوت يومها من دريهمات تركها زوجها.

إستيقظت ذات صباح خرجت من غرفتها لتجد إبنها الأكبر ذو 8 سنوات يطلب منها المال لشراء علبة أقلام ملونة، و الأصغر منه بسنة يحمل بين يديه الناعمتين محفظته الممزقة هاتفا ... يا أماه!!! يا أماه !!! إلى متى سأظل أحمل هذه القطعة الممزقة!

لم تلفظ 'الضّاوية' و لو بكلمة واحدة و اكتفت بابتسامة باردة في وجهين تغمرهما البراءة. إستيقظت الطفلتين الصغيرتين تبكيان من شدة الجوع، توجهت 'الضّاوية' مسرعة إلى المطبخ لتحظير وجبة الفطور ،فإذا بالثلاجة تلمع ببياض ساطع من شدة فراغها ! 

الوقت يداهمها، موعد المدرسة يقترب و لا شئ يذكر في المطبخ لتحظير الفطور، كعادتها ذهبت إلى الغرفة لتاخذ النقود من صندوق الدريهمات فإذا بها تجد فواتير الكهرباء و الماء فوق الصندوق، وضعت يدها على جبيتها هاتفة يا رب ! لقد نسيت أمر هذه الأوراق، قبل أن تفتح الصندوق، قامت بعملية حسابية لمتطلبات الأطفال من أوراق ملونة و محفظة جديدة و وجبة الفطور ليوم واحد مع الأرقام المحبطة في الفواتر، فتحت الصندوق فإذا بالمفاجأة ... الصندوق يملؤه الفراغ ! و لا دريهم واحد !

خرجت الضاوية من غرفتها و الدموع تتراقص في عينيها، أخبرت الأولاد أن الوقت متأخر و لا يتسع لتحظير وجبة الفطور و لا لشراء متطلباتهم، فرافقتهم إلى المدرسة بمعدة فارغة و بتياب بالية ! 

بعد رجوعها إلى البيت، وقفت أمام المرآة، تتأمل في حالها و شكلها و الدموع تسيل على وجنتيها، قامت بنزع قطعة القماش التي تضعها على نصف رأسها، تتأمل في شعرها الطويل الجميل الذي طالما تزينت به لزوجها الحبيب، أخذت المقص فقامت بقص شعرها وقالت في نفسها وداعا يا جميل ! أنت تصلح للنساء فقط ! أما أنا فقد قررت أن أكون رجلا لاصارع الحياة من أجل بقاء أطفالي ... ! هذه الكلمات زادتها قوة و إصرار، مسحت دموعها و نزعت فستانها الطويل لتلبس لباس الرجال ! ثم خرجت من المنزل.

إلى أين ... ! إلى محطة القطارات ' محطة ولاد زيان'، تلك المحطة التي جمعت بين جدرانها قصصا تاريخية، عناوينها الخلابة الفقر والبطالة. لم تتردد ' الضّاوية' في ان تدخل هذا العالم الذكوري لتزاحم الرجال و الشباب، ترشد الغرباء و تساعد المسافرين مقابل بعض القطع النقدية.

بقلم أم الزبير.