معظمنا يعرف قصة تلك الجدة في قطع رأس السمكة ! و إن لم تكن تعرف فسأحكيها سريعاً لك .. يحكى ان فتاة صغيرة رأت امها وهي تحضّر سمكة لطبخها فسألت الفتاة امها عن سبب قطعها لرأس و ذيل السمكة ؟! اجابت الام انها رأت امها تقوم بذلك سابقا و لم تسألها عن السبب يوماً ظناً منها ان رأس السمكة يفسد الطبخة ليس إلا ! لكن هذا لم يكن فعلا منطقياً بنظر الفتاة الصغيرة لذا طلبت ان تتصل بجدتها لتتأكد واتضح لاحقا ان الجدة تقطع رؤوس الاسماك لانها كانت تستخدم مقلاة صغيرة لا تتسع لحجم السمكة كاملة وليس لان رأسها معيب ! هذا نراه معلوماً و واضحا في الثقافة العربية التي تضج بالعديد من الافكار و المفاهيم الموروثة التي لا نرى لها سببا منطقيا لاستمرارها لليوم ! الحياة في زمن الاجداد كانت اكثر عصامية فأنت في ذلك الزمان لا تضمن قوت يومك كما هو الحال الآن ! مع ذلك تجدهم يتخذون إسلوب تعامل اسهل من حاضرنا ! انظر لجدك و جدتك والاخيرة على وجه التحديد ركز في حديثها و طريقة حركتها و اتخاذها لأي قرار كان ! انت تتعامل مع امرأة حرة بكل المقاييس ! ابتداءً من صوتها الجهور مروراً بنظرتها الثاقبة انتهائاً بجرئتها وتمسكها بقوة في أمر تريده بشدة ! هل تعتقد بأن هذا جاء بمحض الصدفة ؟ او ان عوامل التقدم بالسن هي من اكسبتها ذلك ؟ الامر ببساطة يعود الى انها عاشت منذ نعومة اظافرها بمكان عيش يُقدّر لها وجودها ! يعتد بها و يعتمد عليها لها كلمتها و رأيها هي كذلك منذ استقبلتها الحياة في احضانها حتى اللحظة التي تراها انت فيها كان اسلوب الحياة سابقا في البادية (ستفهمني اكثر ان كنت خليجيا) يعتمد على تقسيم المهام بين النساء و الرجال فالمعيشة الصعبة تتطلب من الرجال السفر و الخوض في قفار الصحراء للحصول على مصادر للغذاء اما النسوة في الصحراء فكانت لهن مهمة طحن الحبوب وتحويلها لدقيق و نسج الخيام وحبك الصوف وإعداد الحليب و رعي الاغنام و رعاية الابناء وما الى ذلك من مهام متعددة ! كانت علاقة تكاملية حتمتها ظروف ذلك الزمان عليهم ! علاقة تمكنهم من العيش ! ليأتي بعدها جيل الاباء و الامهات لتكون هناك ثورة عمرانية، ترك الجميع حياة الشقاء الى المنازل الاسمنتية وهنا تبدأ المعضلة ! كبر الابناء على رؤيتهم امهاتهم يعملن بكد في خيامهن لا يخرجن بعيدا عن البيئة المحيطة وهو يريد ذلك لزوجته ايضا ان تبقى في البيت لترعى ابنائه وتُعد غدائه وتجهز ثوبه ! و من البديهي ان تكون الزوجة خرجت من بيئة مماثلة فهي ترا امها تعمل ببيتها (خيمتها) وابوها خارجاً للعمل وحصل ذلك فعلا في ذلك الجيل ! الجيل الاول لمن سكن الحاضرة في بلادنا ورث مفهوما للام و الاب بزمانهم واراد تطبيقه على ابنائه و بناته على وجه الخصوص فمنعوهن من التعليم منعوهن من إبداء الرأي ! لتبقي فمها مطبقاً طوال الوقت فالبنت مالها الا بيت زوجها ! ترعى ابنائه وتعد طعامه وكأنها خلقت لذلك فعلا! لا ملامة ! هو كبر وهو يرى امه تفعل ذلك و زوجته ورثت ذلك عن امها و بالتالي يريدان تطبيق ذلك على بناتهم ! ليخرج لنا جيلاً كاملاً من الامهات المقموعات بشكل او بآخر ! امهات أميات في عصر التقنية و التكنولوجيا! ام لا تستطيع ان تطالب بحقها المشروع ظناً منها ان ليس لها حق من الاساس ! ليأتي تالياً جيلنا الحالي ابناء الثمانينات و التسعينات جيل نمى و كبر على التناقضات ! نرى جدة قوية هنا و أم مغلوب على امرها هناك ! هذا كله كان سببه الاول هو توريث سلوكيات سابقة لجيل أخر لا يحتاجها في زمانه ! لمجرد اننا رأيناها وكبرنا على رؤيتها لا يعني انها صالحة لكل زمان ! هي صالحة لزمانهم وظروفهم فقط ! انت اليوم مهمتك ان تنظر لنفسك ماهي الموروثات التي كبرت عليها ولمجرد انك كبرت عليها تريد تطبيقها على بناتك و ابنائك ؟ اكسر هذه الحلقة فأبلغ المقولات بهذا الخصوص كانت لعلي ابن أبي طالب لا تربوا أولادكم كما رباكم أباؤكم فإنهم خُلقوا لـ زمان غير زمانكم ! نعم خلقوا لزمان غير زماننا وهناك من يريد ان يورثهم موروثا لاجداده الراحلين ! ابقَ يقظاً كن مدركاً لحجم الفوة بين الاجيال خصوصا الاجيال العربية ! ليس عدلاً ان يحمل طفلاً من الألفية موروثاً بالياً من خمسينات القرن الماضي ! كن ناقلاً للخير ! علمهم مبادئ سليمة واترك عنك السقيم منها فأن تورّث افعالا وافكارا لأناس سبقوك لابد ان تعرف سببها اولا فحجم المقلاة اختلف لكن حجم السمكة لم يتبدل يوما !
الموروث العربي و رأس السمكة !
علموا أولادكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم ،
أعتقد أن هذه العبارة تختصر الكثير وتجمل كل ما ذكرتيه ، وأتفق معك في مجمل الحديث وفي الرسالة التي تضمنتها المقالة واسمحي لي أن أختلف معك في نقطة هامة :
أحزن كثيرا من تهميش وتقليل دور الأم في تربية ورعاية أبنائها وتنشئتهم دينيا وعلميا وثقافيا وسلوكيا ، لماذا نعتبر أن تفرغ الأم لتلك المهمة تقليلا من شأنها
وهو يريد ذلك لزوجته ايضا ان تبقى في البيت لترعى ابنائه وتُعد غدائه وتجهز ثوبه !
بصراحة أختلف معك كثيرا في تعبيرك ، بل هذه هي المهمة الأساسية والدور الرئيسي للأم في كل أسرة ، ولو لم تنجح في ذلك ، فلا قيمة لأي نجاح آخر مهني أو إجتماعي أو حتى مادي .
نعم جداتنا أجبرتهم ظروف الحياة على القيام بالعديد من الأدوار الأخرى بجانب دورها ومهمتها الرئيسية ، ولكن كما ذكرت ، الظروف لم تعد بتلك القسوة ، فما المانع من تفرغهن لتلك المهمة العظيمة ؟
بصراحة أختلف معك كثيرا في تعبيرك ، بل هذه هي المهمة الأساسية والدور الرئيسي للأم في كل أسرة ، ولو لم تنجح في ذلك ، فلا قيمة لأي نجاح آخر مهني أو إجتماعي أو حتى مادي .
هل تعلم السبب خلف استهتار الفتيات اليوم بالمهمة الأسمى لهن وهي رعاية الأبناء والقيام بالمنزل؟
ضيق الحياة ومطالبة المجتمع ولو ظاهريًا بان تُساعد المرأة زوجها في مصروف المنزل وأن تعمل وتكد مثله، ما ولّد اتّجاهًا جديدًا غيّر من المعادلة المعروفة وجعل الرجل والمرأة ندّان وليسا شركاء! يتنافسان أيّهما أقدر على الارتقاء بالسلم الوظيفي ومن يأخذ راتب أكثر، أصبحت النظرة مادية بحتة، بالتأكيد إلا من رحم ربي!
منذ تلك اللحظة أصبحنَ النساء ينظرن إلى مهمات الأمومة بأنها عائق أمام تقدّمهنَ وتجعلهن في المرتبة الثانية بعد الرجال، رغم أني لم اجد يومًا أن أمومتي لأطفالي ورعايتي لهم ولبيتي كان سببًا في تأخري عن طموحي وعملي. كثيرًا ما أنشغل نعم وهذا صحيح وأتعرّض للضغط في العمل بسب ذلك، لكنه لم يُثنيني يومًا عن تأدية مهامي كأم على أكمل وجه "أتمنى ذلك!"، بل وإن شعرتُ يومًا أن عملي سلبني من أطفالي، فيُسعدني التخلي عن العمل لأجلهم!
في النهاية أجد أن المهمة التي أجزم أن جميع النساء يُبدعنَ بها دون دورات أو تدريبات مسبقة هي الأمومة، فهي غريزة فطرية خُلقت بها!
التعليقات