نرى الكثير من المسلسلات والأفلام المصرية التي يُمثّل بها السوري شخصيّة تتكلّم بلهجتهم، بشكلٍ عام هل هذا يؤثّر على المواهب المصرية؟ هل هو ظلم فعلاً لهم؟
أليس ظُلماً للمواهب المصريّة أن يُمثّل السوري مثلاً شخصية مصرية في فيلم مصري؟
لا أجد الأمر معضلةً بهذا الحجم، حيث أن الفكرة تعتمد في رأيي على نقطتين تمثّلا مربط الفرس في الأمر برمّته:
- قيام سوق الفن على العرض والطلب، وأتعمّد الاستعانة بلفظة "السوق" التي يمتعض منها الكثيرون إذا ما ذكرت بجوار مصطلح الفن. لأنها الحقيقة، شئنا أو أبينا. يجب أن نحترم المشاهد وما يرغب في الاطلاع عليه، حيث أن المشاهد لا يعتمد في إعجابه بعرق الممثّل أو جنسيّته.
- عدم الالتفات إلى السوق الغربي في السينما ومعاملته بالآليات نفسها التي نحكم بها على السينما العربية، فالسينما في الولايات المتحدة وفي أوروبا تعتمد في الوقت الحالي على مواهب عربية أكثر من أي فترة مضت، وعلى الرغم من ذلك فإننا لا نعدّه ظلمًا للمواهب الغربية، وإنما نعدّه نجاحًا لأصولنا العربية، ويبرز ذلك ازوادجيّة معاييرنا في الحكم على الأمر.
لكن أحياناً ما يريده الجمهور هو أقل مما يمكن أن تقدّمه السينما فعلاً للناس من جودة سواء على مستوى الصورة أو التمثيل، أي أنّ الاعتماد أحياناً على الجمهور لا يُشكّل رافعة حقيقيّة للعمل من ناحية الدراما، بل قد يجعلها بمرات كثيرة أكثر تجارية، وزائد على ذلك هو أنّه هناك سؤال حقيقي يفرض نفسه هنا على المشهد: من هو السوري الذي يستطيع أن يكون مصرياً في عمل مصري؟هذا يستحيل، سيبقى هناك فروقات في الأداء والشبه، إذاً الأمر أدنى قيمة من لو كان المؤدّي مصري، هل هنا يُشكّل هذا الأمر ظلماً للموهبة المحلية؟
طالما أن الممثل يمتلك موهبة حقيقية، ومتمكن من أدواته التمثيلية، فلا أجد شبهة ظلم بالموضوع؛ فالفيصل الوحيد بمجال الفن هو الموهبة والقدرة على القيام بالعمل على أكمل وجه ممكن...
وأعتقد أن المجال الفني أصبح أشبه بمجال الإحتراف بكرة القدم؛ فمثلا، لا يمثل تواجد عدد كبير من المحترفين الأجانب بالدوريات الأوروبية ظلما للاعبين الأوروبيين!
لموهبة والقدرة على القيام بالعمل
لا شكّ أن الضفّتين فيهم من الموهبة الكثير، لكن بالنسبة للقدرة على القيام بالعمل فهذا ما لا أستطيع أن أؤكده، مثلاً لدينا جمال سليمان ورغم كل تمكّنه من أداء دوره في مسلسل الاختيار إلى أنّهُ يبقى سورياً وتشعر بأنّ هناك ركاكة من نوع معيّن في النطق وهذا طبيعي ولكن هل هو مقبول كدراما؟ ألا يجب أن يُستدعى للدور شخص يُغطّي كل جانب من هذا الأمر جدون إغفال الأخر.
وتشعر بأنّ هناك ركاكة من نوع معيّن في النطق..
إجادة اللهجة هي إحدى الأدوات التمثيلية التي قصدتها بتعليقي السابق، والتي يجب على الممثل إتقانها والتمكن التام منها.. وذلك ليس حكرا على أبناء دولة معينة؛ فكثيرا ما أشاهد أعمال لبعض الفنانين العرب دونما شعور بأنهم ليسوا مصريين، أو أنهم يتصنعون عند التحدث باللهجة المصرية ومنهم، هند صبري، صبا مبارك، إياد نصار، وغيرهم كثيرين ممن يتقنون القيام بالأدوار المختلفة
هند صبري
للأمانة أنّك حين ذكرتي فعلاً مسألة هند صبري جعلتيني أعيد تفكيري بالمسألة ككل، لإنني توهّمت من كثرة إتقانها للهجة أنّها مصريّة ونسيت كل النسيان أنّها أصلاً مواطنة تونسية وأنّها أتقنت المصرية بامتياز وصارت علامة فارقة أيضاً بالسينما هناك.
لا أرى أيّ ظلم في القضية، فالعديد من الفنّانين والممثّلين يشاركون في أعمال مزدوجة بين دولتين مختلفتين في اللّهجة والثّقافة والتّفكير، ممّا يعكس نوعا من التنوع الثقافي العربي، أرى أنّ الأمر جيّد إن كان تكليف الممثّلين لم يأتِ عن طريق المحسوبية، فطالما هو في إطارٍ مشروع فلا بأس، المهم أن تكون الكفاءة وتلبية رغبات الجمهور، وهذا هو حال الإعلام وشركات التّصوير والإخراج لن تقوم بالتّضحية بأموالها في مهبّ الريح هي بالتأكيد جلبت الممثل السوري لأنها رأت فيه فارس العمل الذي قد يدرُّ عليها أموالا وعوائد مشاهدةٍ معتبرة مقابل الممثّل المحلي.
فالعديد من الفنّانين والممثّلين يشاركون في أعمال مزدوجة بين دولتين مختلفتين
يبدو أنّ المشكلة أصلاً بدأت حين صار هُناك هذا المفهوم سائداً في الدراما، صار فيه اللبناني يمثّل لهجات أخرى والمصرية لدولة أخرى وهكذا، لا أعتقد أنّ هذا مقنع في الدراما أو عادل في مسألة المواهب، وأعتقد أيضاً بأن هذا الأمر ساهم بشكل كبير في تدنّي قيمة الانتاجات التلفزيونية التي صار تتعمّد إظهار النجوم وفقط ولم يعد الأمر صعباً عليها أن تجمع النجوم جميعهم في عمل درامي واحد متجاوزين شرط الدراما وقيمتها كشرط أوّلي للأمر.
في ذات السّياق أظنّ أنّه ليس عيبا أن يشارك ممثّلون من جنسيات مختلفة في نفس الفيلم والمسلسل، خاصّة إذا كان ذا طابع تاريخي عربي مشترك، لكنّي مثلك في بعض المسلسلات أصاب بنوعٍ من الإحباط لعدم تحقيق التوازن في الإستماع للهجات المختلفة، وأشبّهه أحيانا بالتلوّث السّمعي، ليس مساسا بلهجة معينة ولكن لا أدري أحسُّ أنّه لا يوجد تناغم وتناسق في المشهد، مع كامل إحتراماتي لجميع اللّهجات العربية.
التعليقات