في دروسٍ سابقةٍ تحدثنا عن البلاغة وأقسامها وعن الفصاحة وعن شروط فصاحة الكلمة
وأيضًا تحدثنا عن شروط فصاحة الكلام
ولربما وضح لنا ماذا تعني الفصاحة عند أهل البلاغة؛ وهي تهتم بدراسة تركيب الكلمات ونظمها مع بعضها وكيفية بناء التراكيب المتوافقة مع النحو والصرف؛ إذن الفصاحة لا تهتم بنظم المعنى الملائم للحال، أي أنها تهتم بالكيفية، كيفية تركيب الكلمات، ونظم الكلام، وليس معناه الموافق لسياق الكلام، وهذا من اختصاص البلاغة كما سنتعرف عليها اليوم، قبل البدء سنتحدث عن شروط فصاحة المتكلم،
فصاحة المُتكلم
عند أهل البلاغة هي ملكة راسخة، تمكن صاحبها من التعبير عن أغراضه المُختلفة، إذن إذا خلا كلام أي متكلم من العيوب التي ذكرناها سابقًا يطلق عليه أنه متكلمٌ فصيحٌ، وهذه الملكة لا تأتي من فراغ، بل تحتاج إلى معرفة عدّة علوم منها النحو، الصرف، البلاغة ..، لكي يتمكن صاحبها من النطق بفصاحة.
بهذا نكون قد انتهينا من تعريف الفصاحة، وشروط فصاحة الكلمة، الكلام، والمتكلم، إذن الآن سنتحدث عن البلاغة،
شروط بلاغة الكلام
تحدثنا في أول يومٍ عن البلاغة وأنها تصف الكلام، والمتكلم، وأنها لا تصف الكلمة لأنها تهتم بدراسة كون الكلام مطابق للحال، دراسة كيفية صياغة الكلمة، الكلام، والمتكلم من اختصاص الفصاحة، تعريف بلاغة الكلام عند أهلها،
البلاغة: مطابقة الكلام لمقتضى الحال مع فصاحته،
من هذا،
البلاغة وعلاقتها بالفصاحة
إذا لاحظت من التعريف السابق، يجب أن يكون الكلام البليغ فصيحًا أي يجب أن يبتعد عن أي خلل يعيق بفصاحته كالتنافر أو ضعف التأليف، وليس كل كلام فصيح بليغ؛ فقد يكون الكلام فصيحًا لكنه غير موافق لمقتضى الحال من الكلام،
الحال ومقتضى الحال
الحال: الموقف الذي يستدعي التعبير عنه، كحزنٍ، فرحٍ، وفخرٍ، وما أكثرها في حياتنا؛ لا يمكن حصرها.
مقتضى الحال: وهي الخصوصية البلاغية التي يقتضيها الحال، قد يقتضي الحال التوكيد لتأكيد الكلام، ويقتضي آخر عدم التوكيد، وقد يقتضي التعريف وآخر التنكير وهكذا … وإني أجد قصة المبرد مع الفيلسوف الكندي مناسبة لهذا الوصف، عندما قال الكندي "إني أجد في كلام العرب حشوًا حيث يقولون <عبد الله قائم> و<إن عبد الله قائم> و<إن عبد الله لقائم> والمعنى واحد" فأجابه المبرد رحمه الله عليه، قائلًا "بل المعاني مختلفة؛ <عبد الله قائم> إخبار عن قيامه، <إن عبد الله قائم> إجابة عن سؤال سائل، و<إن عبد الله لقائم> جوابٌ عن إنكار منكر.
وبهذا كما قلنا سابقًا تنحصر البلاغة في ثلاثة علوم المعاني، البيان والبديع، ويمكننا القول بإن الفصاحة تكون فرعًا عن البلاغة؛ إذ أن كل كلام بليغ فصيح، وليس العكس.
بلاغة المتكلم، ومراتبها
بلاغة المتكلم: ملكة تُمكِّن صاحبها من التعبير عما يجيش في صدره، ويعتل نفسه بأساليب تطابق مقتضى الحال.
البلاغة صفة وصفها الله لجميع العقلاء الناطقين دون استثناء، لكنها تزيد وتنقص، أعلاها حد الإعجاز المتمثل في القرآن، وتنقص إلى ما يقرب منه في السنة النبوية، ثم ما يقرب وهو كلام الفصحاء، الشعراء، الأدباء والخطباء ..، ثم مراتب بقية الناس.
إذن على عكس الفصاحة، ترتفع ملكة البلاغة بالمداومة، المداومة على حفظ القرآن، والسنة، ثم أقوال الأدباء والشعر ...، بينما تحتاج الفصاحة إلى دراسة علوم مثل النحو، والصرف، والملكة السماعية التي تميز بين الكلام المتنافر، والمعقد كما تحدثنا سابقًا.