بسم الله الرحمن الرحيم.

ملاحظة: أتأسف عن ضعف تأليفي، وقلة تركيزي، وكثرة أخطائي اللغوية في هذا اليوم، فلم أنم منذ الفجر أي صائمًا منذ أربع عشرة ساعة بدون نوم، حاولتُ تبسيط القواعد بقدر الإمكان.

في الدرس السابق من البلاغة

تحدثنا عن شروط فصاحة الكلمة، وبعض القصاصات حول البلاغة من هنا، وهناك، وفي يومنا هذا سنتحدث عن شروط فصاحة الكلام،

عدد شروطه أربعة:

شروط فصاحة الكلام

عدم تنافر الكلمات

تنافر الكلمات أقرب للقياس من تنافر الكلمة الواحدة، فتنافر الكلمات يمكننا القول أنه ناجم عن اقتراب نطق الأحرف في أكثر من كلمة في الكلام، كقول الجاحظ:

وقَبرُ حَربٍ بمكانٍ قَفرٍ ** ولَيسَ قُربَ قَبرِ حَربٍ قَبرُ

الملاحظ في هذا البيت عدم وجود أي كلمة متنافرة، لكن الكلام متنافر لاقتراب أحرف كلماته القاف، الباء والراء؛ بحيث يصعب نطقه أكثر من ثلاث مرات متتاليات، وتنافر الكلام كتنافر الكلمة منه الشديد، والخفيف، الشديد كقول الجاحظ في الأعلى، والخفيف كما في قول أبي تمام:

كَرِيمٌ مَتَى أَمْدَحْهُ أَمْدَحْهُ وَالْوَرَى ** مَعِي وَإِذَا مَا لُمْتُهُ لُمْتُهُ وَحْدِي

الملاحظ هنا تنافر خفيف يُصعب من تكرار البيت أكثر من مرة بسبب تتالي الحاء والهاء في كلمتين متتاليتين.

البعد عن ضعف التأليف

المعنى المراد مخالفة المشهور من القواعد النحوية، من المعلوم أنّ هناك أمورًا اتفق عليها النحاة كرفع المبتدأ والخبر ورفع الفاعل ونصب اسم إنّ .. أي خطأ بها يلغي فصاحة الكلام بالكلية، ويوجد أخرى اختلفوا فيها، لنضرب مثالًا على ذلك؛ من المشهور عدم اقتران كاد بأن؛ فلم يرد اقترانها في القرآن أبدًا، ونادرًا في كلام العرب وهذا منهج الأندلسيين، لذلك لا تقل "كدت أن أنهي العمل" قل "كدت أنهي العمل"، على خلاف عسى المشهور اقترانها لا تقل "عسى أنجح" قل "عسى أن أنجح".

عدم التعقيد

وهو أن يكون في الكلام خفاء يمنع من ظهور المعنى المراد، بدون مبرر بلاغي، والتعقيد لفظي ومعنوي:

التعقيد اللفظي

التعقيد الذي ينشأ عن سوء ترتيب الألفاظ، وعدم نظمها على وفق ترتيب المعاني للسامع، لهذا لا يفهم السامع المعنى المراد بسهولة ويسر، كالفصل بين المبتدأ والخبر أو بين الموصوف والصفة بفاصل، أو تقديم المستثنى على المستثنى منه، كقول الفرزدق مادحًا إبراهيم بن هشام -خال هشام بن عبد الملك:

وَمَا مثله فِي النَّاسِ إِلاَّ مُملَّكاً ** أُبُو أُمَّهِ حَيٌّ أَبُوهُ يُقارِبُهْ

كان قصده "وما مثله في الناس حيٌّ يقاربه إلا مملكًا أبو أمه أبوه" فجعل كلامه كلعبة الغاز تحتاج إلى من يحلها؛ ففصل بين المبتدأ "أبو أمه" والخبر "أبوه" بلفظ أجنبي "حيٌّ"، وكذلك فصل بين "حيٌّ" وصفته "يقاربه" بالخبر "أبوه"، وقدم المستثنى على المستثنى منه، فلم يكن ينقص كلامه تعقيدًا.

التعقيد المعنوي

وهو كون الكلمة مستعملة استعمالًا خاطئًا في الدلالة على المعنى، كمثال على ذلك لنفترض أنَّ شركة حسوب غيرت في شروط خدماتها، فقلتُ معلقًا:

أزاحت حسوب بشروط الحظر!

المعنى الذي قد يتبادر في ذهنك أن حسوب أزالت حظر الحسابات وأصدرت عفوًا كاملًا عن جميع المحظورين؛ لكني أردتُ بالكلام هنا أن حسوب لم تعد تحظر بالشروط فباتت تحظر بدون أي سبب :)، كمثال آخر مشهور على ذلك:

فتح السلطان أبواب السجون

فالمراد هنا على خلاف المعنى الواضح، وهو أنّ السلطان فتح أبوابه -السجن- استعدادًا لزج المعارضين والأعداء به.

عدم تتابع الإضافات، وكثرة التكرار

بعض البلاغيين يعتبرونه -أي هذا الشرط- تحت تنافر الكلام، وضعناه وحده؛ وإذا أردت حفظه وحده فاحفظه، وإلا تحت تنافر الكلام، وهذا الشرط من عنوانه على قسمين:

تتابع الإضافات

تتابع الإضافات ليست قاعدة ثابتة لضعف الفصاحة، فمنه الحسن كقوله تعالى:

ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا

الملاحظ هنا عدم وجود لا غرابة ولا صعوبة ولا .. في النطق مع تتابع الإضافات، ومن الحسن أيضًا قول عبد الله بن المعتز:

.. ** عِتاقِ دَنانيرِ الوجُوهِ مِلاحِ

ومن الثقيل قول ابن بابك:

حَمَامَةَ جَرْعَى حَوْمَةِ الجَنْدَلِ اسْجَعِي ** فَأَنْتِ بِمَرْأَى مِنْ سُعَادَ وَمَسْمَعِ

من الملاحظ أنه أضاف الكثير من الإضافات غير المتناسبة مع بعضها البعض فصعبَ نطق كلامه.

كثرة التكرار

يندرج تحت التكرار المخل بالفصاحة تكرار أحرف الجر في الكلام، كقول أبي الطيب المتنبي:

وَتُسْعِدُني في غَمرَةٍ بَعدَ غَمْرَةٍ  سَبُوحٌ لهَا *مِنهَا عَلَيْهَا

ومن كثرة التكرار ما هو حسن كقول قطري بن الفجاءة:

.. للرماح دريئة *** من عن يميني تارة ..

مراعاةً لرمضان أحاول بقدر الإمكان التبسيط، التسهيل، والتخفيف. إذن بهذا نكون والحمد لله درسنا درسين في كل علم ...