ملاحظة: أنا طالبة فى كلية الآداب قسم اللغة العربية وأريد أن أسمع آرائكم حول هذا البحث بعنوان "شوقى ولافونتين فى ضوء الادب المقارن".

المقدمة

تأثر كثير من الشعراء العرب المعاصرين بالآداب الأجنبية فترك كبار الشعراء العالميين بصمتهم على هؤلاء خاصة بعد البعثات التي قام بها محمد على بعد اعتلائه عرش مصر وخروج الحملة الفرنسية وانتهاء الاحتلال الفرنسي في مصر محاولا بذلك الاهتمام بالثروة الفكرية وازاحة غمامة الجهل عن مصر وكان من هؤلاء الذين انطلقوا للغرب لينهلوا مما وصلوا اليه في ذلك الوقت من تقدم في العلوم والآداب أمير الشعراء ومتنبي عصره أحمد شوقي الذي تأثر في كتباته الموجهة للطفل بلافونتين.

نبذه مختصرة عن الأديبين

لافونتين الشاعر الفرنسي والكاتب المسرحي الذي ولد عام 1621م في مدينة شاتو الواقة في شمال فرنسا انحدر من أسرة من الطبقة المتوسطة درس القانون وعمل محاميا بدأ مسيرته ببعض الترجمات التي تعد بداية ظهوره في الأوساط الأدبية وتلاها بعدة اشعار كان يأخذ مقابلا ماديا لها من الحكومة فكان من أشهر الأدباء والكتاب وقتها فكتب في ثلاث طرق أدبية منها القصص الخرافية التي جاءت في 12 كتاب و230 قصة هي أشهر ما كتب طيلة حياته وهي تناسب الأطفال والفلاسفة على حد سواء مستلهما فكرة كتابه من كتاب كليلة ودمنه لابن المقفع.

تأثر بلافونتين الكثير من أدباء العرب فكان من أبرزهم أحمد شوقي الذي ولد وتوفي في القاهرة ونشأ في ظل البيت المالك لوالدين من أصول مختلطة وتعلم في المدارس الحكومية وقضى سنتين في قسم الترجمة بمدرسة الحقوق التي تعرف فيها على استاذه في اللغة العربية الشيخ محمد البسيوني الذي دفعه للسير في الاتجاه الأدبي وعندما تخرج أرسله الخديوي توفيق الى فرنسا ومن هنا بدأت علاقته بالآداب الأجنبية فاطلع على الأدب الفرنسي وأعجب به وتأثر بكبار أدباءه كفيكتور هوجو ولافونتين ولآمرتين فجمع في ديوانه المسمى بالشوقيات الكثير من القصائد التي نرى فيها تأثره بالأدب الفرنسي جليا خاصة في تلك القصائد التي وجهها شوقي للأطفال داعيا بذلك الى إيجاد أدب خاص للأطفال متأثرا كما ذكرنا سابقا بحكايات الأديب الفرنسي لافونتين.

تاريخ أدب الأطفال في العالم العربي

أدب الأطفال من المصطلحات التي استحدثت في الأدب العربي وهو أدب يتميز بأنه يخاطب عمر الأنسان في مرحلة الطفولة وفقا للمعايير التربوية والعمرية والثقافية لهذه المرحلة حيث يعمل هذا الأدب في شتي اتجاهاته القصصية والشعرية والمسرحية على بناء الطفل علميا كونها ترسخ فيه القيم والأفكار في الذهن وتبقيها أبعد تأثيرا، وأكثر حضورا، وحفظا، وتمثيلا.

  اختلف النقاد كثيرا حول أول من أدخل هذا الأدب إلى العالم العربي لأول مره فمنهم من قال إنه رفاعه الطهطاوي ومنهم من نسبه الى محمد عثمان جلال إلا أن أحمد شوقي هو أول من اهتم بهذا الأدب كلون أدبي متميز عن أدب الكبار فهو الرائد الحقيقي له كما يتجلى ذلك واضحا في ديوانه الشوقيات فقد أظهر اهتمامه بهذا الفن بعد دراسته في فرنسا وقد ذكر ذلك في مقدمة شوقياته.

ونظم كثيرا من القصص على ألسنة الطير والحيوان مثل: قصة اليمامة والصياد، والثعلب والسفينة، والبغل والجواد فكان يستنطق الحيوان ويتحدث على لسانه بأسلوب سردي قصصي بسيط يتناسب مع مخيلة الطفل ومرحلته العمرية وكان صاحب الفضل الأكبر على شوقي في كتاباته في أدب الطفل هو الأديب الفرنسي لافونتين الذي برع وبرز في قصصه التي اقتبسها عن كليلة ودمنه لابن المقفع.

مقارنه أدبية بين الحكاية عند شوقي والحكاية عند لافونتين

يعد شعر الأطفال من الشعر الذي يستعصي على كثير من الشعراء فشعر الأطفال فيه حكمه وفيه أدب وفيه تسخير للشعر من أجل توعية الطفل وتثقيفه فالأطفال يقبلون على الشعر البسيط الذي يروى قصة ويكون فكاهيا مرحا كما أنهم يفضلونه في صورة غناء أو نشيد فيحاكى حركة إنسان أو حيوان أو ماكينة.. إلخ، كما أنهم يميلون إلى أن يكون قصيرا والطفل يحب القصة فإذا ما اجتمعت هذه العناصر من شعر، وفكاهة، والحيوان والقصة كان إقباله عليها كبيرا.

تتميز حكايات شوقي بأنها نظمت في مدة وجيزة إذ يشير محمد صبري أنها نظمت بين عامي 1892م- 1893م أثناء اقامته في باريس لدراسة الحقوق والآداب وقد تضمنت الشوقيات 55 حكاية أكثرها من الأراجيز وأغلبها متنوعة القوافي والبقية عادية ويغلب على بحورها مجزوء الكامل ومجزوء الرمل والسريع والمجتث وتميزت هذه الحكايات بخصائص تتمثل في: قصر النفس من حيث قصر المدي والخفة والحيوية من حيث تنوع القوافي وسهولة الإنشاد والحفظ مما يؤهلها للقيام بمهمة التعليم

وبرغم من ان احمد شوقي قد اقتبس وترجم بعض من حكايات لافونتين وأعاد صياغتها بالطريقة الشعرية إلا أنه سرعان ما تدارك ذلك الأمر ولم يستمر فيه طويلا إذ رغب في إنشاء طريق خاص به في الكتابة رغبة منه في أن يجعل للأطفال في مصر منظومه ثقافية خاصة بهم يأخذون منها الثقافة والحكمة بقدر ما تستطيع عقولهم الصغيرة إدراك تلك المقاصد.

وقد استطاع شوقي من خلال قصص لافونتين أن يستوحى قصصه الخرافية الجميلة مضيفا إليها شاعريته الفياضة وفنه فجاءت في أسلوب رائع يحمل معايير جمال لغته الفرنسية ومن أمثلة حكاياته الشعرية التي يحاكى فيها طريقة لافونتين بجميع خصائصه الفنية هي حكاية (فأر الغيط وفأر البيت) فيقول شوقي:

يقال كانت فأرة الغيطان تتيه بأبنية على الفيران

وقد سمت الأول نور الغيط وعلمته المشي فوق الحيط

فعرف الغياض والمروجا وأتقن الدخول والخروج

وصار في الحرفة كالآباء وعاش كالفلاح في هناء

الى أخر القصيدة ...

ويظهر مدى تأثر شوقي بحكايات لافونتين الشهيرة حيث يقول في ديوانه في جزئه الأول:" وجربت خاطري في نظم الحكاية على أسلوب (لافونتين) الشهير وفى هذه المجموعة شيء من ذلك فكنت إذا فرغت من وضع أسطورتين أو ثلاث اجتمع بأحداث المصريين وأقرأ عليهم شيئا منها فيفهمونه لأول وهلة ويأنسون إليه ويضحكون من أكثره وأنا أستبشر لذلك فقوله(أسلوب لافونتين) أي فنه الذي أشتهر به فيحاكي الطريقة والقالب أي أنه في محاكاته لم يكن مترجما لحكايات لافونتين كما يدعي بعض النقاد بل أضاف عليها من وحي شاعريته، وفيض عبقرياته، ورؤيته الشعرية، وشخصيته الرقيقة القريبة إلى عالم البراءة والجمال، كما أن هذا النداء والنزوع الشعري جاء في مرحلة تحديث الشعر العربي وقد وجد أدباء العرب في محاكاة الأجناس الأدبية الأوروبية عصرنة لأدبهم الذي أخذته قرون عقم وجمود، فالصلة إذن بين حكايات شوقي وخرافات لافونتين تكون فقط من جهة إعدادها إعدادا تعليميا، فالحديث عن تأثر شوقي بلافونتين يجب ألا يتجاوز مضمون هذه الحكايات، بالإضافة إلى ذلك أن صورة الحيوانات في نصوص شوقي ودلالاتها الرمزية وإيحاءاتها لا تتجاوز الصورة التي احتفظت بها الخرافات والأساطير والأمثال الشعبية قديما وحديثا، شرقا وغربا بما لا يميز صورته في الشوقيات بطابع خاص، ولا يهون السبيل إلى مصدر له معين إلا أن نقول مصدر شوقي في ذلك التراث الإنساني العام، كما أن في الحكايات التي نظمها شوقي حس قرآني دافق على نواح متنوعة منها سواء من جهة اللغة مثل قول الدب في السفينة:

وبعد ساعتين غيط الماء ولافونتين وأقلعت بأمره السماء

والذي يحيلنا إلى قوله تبارك وتعالى: {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} هود/44

وهذا الحس القرآني لا وجود له في حكايات لافونتين مما ينفي الترجمة والتقليد عند شوقي للافونتين ويحصر التأثر في دائرة التعليم فحسب.

وعدم تأثر شوقي بالتراث العربي في تأليف حكاياته واضح فقد كان اتجاه شوقي إلى أدب لافونتين دون تعرف التراث العربي في ذلك محل استفهام وتساؤل بين الدارسين، والافتراض المطروح بأن شوقي لم يقرأ كليلة ودمنة هو افتراض مجانب للصواب، فالأرجح تبعا لثقافته الواسعة بأنه اطلع عليه إلا أنه لم يكن موجها إلى الأطفال وهي الأمنية التي أراد شوقي تحقيقها لبراعم العرب آنذاك، ولذا تجاوزه إلى حكايات لافونتين، بالإضافة أنه كان ذا اتصال مباشر بها في فرنسا ومتأثرا بأجوائها الثقافية والحضارية وترى شرايحة أن شوقي هدف من وراء حكاياته تلك ضرب عصفورين يحجر ألا وهما: إتقان الفن الجديد "الحكايات"، والتعبير عن التجربة العربية في فرنسا ومع هذا كله لابد أن نأخذ بعين الاعتبار أن لافونتين الذي تأثر به شوقي قد تأثر هو نفسه بكليلة ودمنة، وبذلك يكون لافونتين جسر وصل بين التراث العربي القديم المتمثل في كليلة ودمنة، وأدب عربي حديث متمثل في حكايات شوقي الشعرية.

المصادر والمراجع: -

1- أحمد شوقي: الشوقيات، الجزء الرابع، المجلد الثاني، مؤسسة علي سعد وشركائه.

2- هلال، محمد غنيمي: الأدب المقارن، نهضة مصر للطباعة والنشر، القاهرة.

3- الطرابلسي، محمد الهادي: خصائص الأسلوب في الشوقيات، منشورات الجامعة التونسي.

4- د\عزة أبو النجاة، ود\بسمة محمد بيومي، أستاذا الأدب والنقد الحديث، الشعر العربي الحديث، مقرر الفرقة الرابعة قسم اللغة العربية وآدابها بكلية البنات جامعة عين شمس.

من المراجع الإلكترونية: -

عبد الله، يسري عبد الغني (19-9-2008م): الحكايات على ألسن الطير والحيوان: نظرة مقارنة، جريدة دنيا الرأي الالكترونية.