في رحلة البحث عن وظيفة:

غالبا ما يكون التخصص الذي ستدرسه في الجامعة هو ما سيحدد طبيعة عملك مستقبلا، بالفعل قد تدعم شهادتك ببرامج تطبيقية، أو تربصات في معاهد، أو مراكز للتكوين، لكنني أتحدث بصفة عامة.عند تفوقك و حصولك على معدل يخوّل لك الذهاب للجامعة، من أجل مواصلة آخر طريق في درب التعلم، ستصطدم بتغيرات جذرية تجعلك تفكر في الإنسحاب، لسبب لا تعلمه فكل أصدقاء الدرب لم يتبق منهم سوى واحد أو إثنين على الأكثر، سوف ترى الجامعة عالماً غريبا مقارنة بالأطوار السابقة التي اجتزتها، سيسيطر عليك الملل تدريجيا، سنة بعد سنة، لذلك يجب عليك التركيز على اجتياز تلك السنين بسرعة دون الوقوع في فخ الرسوب، الذي سيصعب من مأمورية تقبلك للوضع الذي تمر به، و الأهم من كل هذا، هو أن ما تدرسه أو بالأحرى اختيارك لما تدرس، سيحدد بكل تأكيد ماهية عملك، فلا تستغرب اليوم إذا رأيت من درس الطب معظم فترة شبابه عاطلا عن العمل اليوم، خاصة في بلداننا العربية، لذلك ركز كثيرا و أسأل مطولا قبل أن تأخذ هذا القرار فالمعرفة قوة بكل تأكيد على قول الفيلسوف فرانسيس بيكون لكن المعرفة و التعلم وحده لا يكفي، فبعد أن يتزود الإنسان بالوقود لسيارته، عليه أن ينطلق أو على الأقل ينزاح من مكانه فهناك طابور خلفه في الإنتظار. إختر مجالا معينا عن حب و تخطيط منك لبقية حياتك، قم بدراسته و لا تكتفي بالنجاح و فقط لأنه تفكير خاطئ، لأنه كثيرا ما نسمع كلاما غريبا من بعض الطلاب عن الجامعات بمعنى<في الجامعة قف بالدور و ستنجح> و هذا اعتقاد نصفه خاطئ فهناك حقيقة من اعتمد هذا المنهج و حقق به النجاح، لكن الجزء السيء من الموضوع، أنه حين خروجك لعالم الشغل و اصطدامك بالحقيقة المرة، لأن الكثير من المؤسسات تشترط علامات معينة في تخصصات معينة،الغالبية يسألون عن رتبتك و معظمهم يجرون لك اختبارات شفوية و كتابية للتأكد من مستواك ففي النهاية شهادتك ليست سوى ورقة ملونة بعبارات اعجابية لسيادتك، و من المنطق أن تدرك سريعا أن من يحمل شهادة بتقدير جيد أحق ممن يحمل شهادة بتقدير حسن بالعمل عند الشركات و المؤسسات و يبقى الإختيار لك، حينها فقط ستدرك الخطأ الفادح الذي ارتكبته دون قصد،لأنك انطلقت في عالم جديد دون هوية، و ستقع تحت شتائم نفسية لأن سنوات مضت ولم تستطع الظفر بوظيفة أو عمل بتلك الشهادة و هنا علم بلا عمل كسفينة بلا ملاح كما قال:الفنان و الكاتب المسرحي جورج برناردشو.

إن التعب الذي لحق بك و لأهلك و الشقاء الذي مررت به و السنين العجاف التي بعتها في سبيل العلم و المعرفة من أجل الوصول إلى لقب معين، حيث يمنحك هذا اللقب فرصة الظهور للملأ، و على وجهك ملامح الوظيفة، فالناس ينظرون إلى المرء و يقولون:إنه محامي كبير، ليس درس المحاماة.

يقولون: درس الإقتصاد و يسيّر شركة، لا هو دون عمل، لكنه يساعد جيرانه في حل واجباتهم المدرسية، الفرق الشاسع بين الفكرتين ما جعلني أتطرق لهذا العنوان بالذات(أدرس ما تحب)،هو يقيني التام بأن ذلك يلعب أهم دور في حصولك مستقبلا على وظيفة مع القدرة على فرض نفسك فيها و نيل الإعجاب لدى المحيطين بك.

أعرف شخصا معرفة سطحية فقط، إختار تخصص طب و درس عاما كاملا في هذا التخصص، ثم قرر أن يحول دراسته إلى فرع شبه طبي، بحيث يدرس عامين متتابعين و في العام الثالث ينطلق في عملية التطبيق في أحد المستشفيات، بعدها مباشرة يتخرج بنجاح إلى منصبه، دون عناء الإنتظار أو خوض غمار مسابقات معينة للظفر بوظيفة، مع العلم أنه لم يندم على قرار الإنسحاب من دراسة الطب لسبب يعلمه هو فقط في الحقيقة، كما أنه بعمل في وظيفة اخرى، لأن عمله مريح و يملك متسعا كبيرا من الوقت، حتما خطط جيدا لهذا الأمر و كان على يقين بما أقدم على فعله خلال تلك المرحلة،إن المرء في هذه الحياة يحتاج إلى عمل أو وظيفة أو طريقة شرعية تكسبه المال،المهم حسب قول توماس هكسلي <الهدف النهائي للحياة هو االفعل و ليس العلم، فالعلم بلا عمل لا يساوي شيئا> و ختم قائلا:<نحن نتعلم لكي نعمل>.

لذلك عزيزي القارئ كنت شابا أو شابة، كهلا أو في السبعين من العمر،صبيا أو صبية، اعلم أن العلم لا يملك حدودا أو عمرا معينا، أدرس ما تشاء كيفما تشاء وساعة تشاء، لكن اسعى بعد ذلك للعمل بما تعلمته و لا تبخل بالكنز الذي ربحته كي تفيد نفسك و تفيد بعدها غيرك.