مع تكبيرات عيد الفطر السعيد والمآذن تصدح بالدعاء والتلبيات لله أفقت من حلمي ورحت أبحث عنكِ .. فير أني لم أجد سوى دموعي وقد كتبت:

الحمد لله على ما هدانا والشكر له على ما أولانا

نفضت من فوقي رماد حلمي وسرت نحو ربي مع من سار قبلي وصار خلفي ركبٌ كان له أن يلحق بي، حتى إذا ما توسطنا الجامع للصلاة خلف ذلك الإمام الكهل الوقور المتكئ على عصاه الخشبية، رفعت يداي للقنوت وصرت أردد مع ترديد الجموع خلف الرادود:

اَللّـهُمَّ اَهْلَ الْكِبْرِياءِ وَالْعَظَمَةِ، وَاَهْلَ الْجُودِ وَالْجَبَرُوتِ، وَاَهْلَ الْعَفْوِ وَالرَّحْمَةِ، وَاَهْلَ التَّقْوى وَالْمَغْفِرَةِ، اَسْاَلُكَ بِحَقِّ هذَا الْيَومِ الَّذي جَعَلْتَهُ لِلْمُسْلِمينَ عيداً، وَلُِمحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ذُخْراً وَشَرَفاً وَمَزيْداً، اَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَاَنْ تُدْخِلَني في كُلِّ خَيْر اَدْخَلْتَ فيهِ مُحَمَّداً وَآلَ مُحَمَّد، وَاَنْ تُخْرِجَني مِنْ كُلِّ سُوء اَخْرَجْتَ مِنْهُ مُحَمَّداً وَآلَ مُحَمَّد صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ، اَللّـهُمَّ اِنّي اَسْاَلُكَ خَيْرَ ما سَأَلَكَ مِنْهُ عِبادُكَ الصّالِحُونَ، وَاَعُوذُ بِكَ مِمَّا اسْتعاذَ مِنْهُ عِبادُكَ الْصّالِحُونَ.

غير أن دمي لم تكف عن الهطول كما المطر الغزير الذي راح يخضب لحيتي المبعثرة على جنبات وجهي المصفر كلون ثوب العيد الوحيد الذي امتلكته قبل عام حين قررت السفر إليك خاطباً حالماً، ارتديه اليوم لأنك جئتني في منامي ورحتي تجتهدين في حبي على خلاف ما أراد شيطاني الذي رغب في اتعاسي وتصوير مخاوفي في غلامٍ ذَا نفوذ يحوم في الأمام خلفك يطلب حبك!

لقد كنتي في ذلك الحلم تمانعين وبين قبلاتي ترتمين ولا تبالين، تسكبين فنجان قهوتي الممزوجة بالكاكاو والبندق .. الفنجان أبيض وله خصرٌ يتمايل بين ذراعي في رقصات رشفةٍ وآهات كورال على أوتار حناجر طيور الحب والغرام، لقد كان حلمي أبيض كنور وجهك، وأسود كفستان الليل القصير الذي على ركبتيك، ونزل حتى كشف عن نصف نهديك، لقد تكومت فوق رأسك سحابةٌ كبيرة تاركةً المجال لعنقك أن يستكين فوق كتفيك .. حيث بمقدوري أن أقبلك .. أن أشم عطرك .. أن أطيل الوقوف بركوعي نحوك، فسبحان ربي العظيم كيف صورك.

حين صاح المنادي بالمصلين سمع الله لمن حمده سجود، خرَّ جسدي يستقبل الأرض وكأني ذاهبٌ لأحضان ربي فأقبله وأشتكي بالدموع شوقي صارخاً سبحان ربي الأعلى حيث جمعني إليه وقد سوى روحي من روحه فصار الشوق إلى روحه يعرج بنفسي لخارج الجسد .. رأيتك تبتسمين ورحتي بغنجٍ إلى الأزهار تقطفين وتشمين، دنوت منك وقد فرغت من الصلاة وسلمت على جيراني وكان كلهم يستغرب بركة الماء المتجمعة فوق ملابسي، وقد طهرت الدموع خطاياي وغسلت بإذن الله وجهي ..

خرجت مع من خرج، وكلٌ راح يقصد حبيبه، كلٌ سار نحو مراده، وبقيت أنا أوزع ابتساماتي ودموعي للطرقات المهجورة وإشارات المرور التي كانت تتمرن كي لا تنسى واجبها حين يكون الشوارع ممتلئة؛ لست أدري أين أروح أو كيف أعود نحو بيتي، لست أعلم كيف أخبر المحتفلين هناك .. أن لا عيد يجمعني وأنا وحيدٌ هنا محبوسٌ دون حبي؟

فتحت الراديو وليتني لم أفعل فقد سمعت صوتك وأنتي تقولين:

رواياتي صغيرة، أحلامي صغيرة، وطموحي أن أمشي ساعاتٍ معك، تحت المطر، عندما يسكنني الحزن، ويبكيني الوتر .. أغلقت الراديو بعجل، فلم أكن أريدك أن تعرفي أن المطر كان من عيناي ينهمر بينما كنت أحلم وإننا كنا فعلاً تحته نتقاسم القهوة ونتبادل الشفاه، فقد إزداد شوقي لك، وأبكاني حزني على بعدك، ولم يبقى لي وقد إنتصف النهار وبدأت الشوارع تضج بالسعداء، غير أن أعود لتتمة حلمي معك، فهو خَيْرٌ لي من حساب قطرات المطر مع أنفاس دخان سجائري قرب البحر ..

أعود وقد زاد شوقي لكتابة صلاة عيد العاشق ...

وإني لعارف أنك لن تقرأين يوماً كلماتي ولن تعرفين حجم ما خسرته من مخزون دموعي، حين كنتِ بعيدةً عني .. تجلسين لتسقين الزهور من دموع عينيك، ففي كل مرة تفعلين تنتابني موجة بكاء لا تنتهي حتى تنتهين، حين نلتقي على الهاتف ونتحدث قليلاً، فيرتاح الحنين حتى حين.

إنها صلاة عيد فطر العاشقين الصائمين طوال سنة، حتى يكون من الله تعجيل الفرج، فليس لغيره يسجد العارفين، يطلبون حاجاتهم كل حين.