لقد وصل رحال الذي لم تكن رحلته سهلة إلى وجهة أخرى , وهي قرية متوسطة في الحجم فيها سهول خضراء ومزارع فيها من يخطر على البل من الحيوانات المستأنسة .
في مدخل القرية يوجد كشك صغير كان فيه حارس لا تبرز تعابير على وجهه سوى الجدية والصرامة، يقترب رحالة منه ويلقي عليه التحية ويعرف على شخصه بأنه رحالة قد سمع الكثير من القصص والإشاعات عن هذه القرية .
بوجه صلب يشبه بجذع يسأل الحارس: ما هي الإشاعات التي أتت بك إلى هذه القرية المباركة؟
أجاب الرحالة: يوجد مناجم للحديد ومناجم للنحاس وأنواع كثيرة من الأشجار والخشب، وكذا تربة صالحة للزراعة ومناخ ملائم بغض النظر عن أجواء الأمن الأمان.
أخبر الحارس الرحالة أن عليه الانتظار هنا ريثما يقوم هو بإحضار عمدة القرية ليقرر إذ مان كان يصلح لأن يلج هذا المواطن هذه القرية المباركة، حيث ينتظر الرحالة، أتى رجل كهل أقل ما يقال عنه خارج من القبر بكفالة، تبادلا التحية ثم استأذن العجوز بالجلوس في الكشك، قال له الرحالة: المكان ليس لي وأنا مثلك ضيف حل على هذه القرية، انتظر قليلا سيعود الحارس وتستطيع أن تتحدث معه.
سأل العجوز الرحالة: ما الذي أتى بك لهذه القرية؟
كانت إجابة الرحالة بعد ابتسامة تدل على ردة فعل سعيدة من جراء طرحه للسؤال: هذه القرية هي حل كل مشاكله بسبب أجواء الأمن التي تعم القرية.
ضحك الكهل ضحكة غطت من كبرها تجاعيد وجهه ويطل، سأله الرحالة عن سبب ضحكته قائلا: ما سبب ضحكتك؟ شاركنا إياها!
يعود الرجل الكهل لوقاره ويجيب: إن الأمن والأمان ليسا سوى شيء محتكر على طائفة معينة في هذه القرية، فإذا قام شخص من غير هذه طائفة بإبداء رأي مخالف وإن كان على صواب أو قام بمشاجرة مع شخص من هذه الطائفة فان جميع الأفراد المنتمين لها ستهجم عليه بكل أشكال العنف والكراهية، وعندما يشتكي أحدهم يقال له أنه حاقد ولديه ضغينة تجاه أصحاب هذه الطائفة لأنهم أفضل منه.
يستغرب الرحالة وقد توسعت عيناه من الدهشة: وكيف أتقي شر هذه طائفة ؟
يجيب الكهل: لا تفعل ولا تقل ولا تنوي فعل شيء، لأنهم يكرهون ويعتبرون أي شخص ليس منهم أدنى منزلة ولا يحق له أي حق من حقوقهم.
يجلس الرحالة في صمت لوهلة، وبعدها يخبر الكهل: إذا كان الأمن والأمان كذبًا فماذا عن المناجم ؟
يعدل الكهل من جلسته ويتنفس بشكل عميق: هل رأيت تلك الجبال والتلال التي تعلو هذه القرية والتي خصصت من أجل التنقيب فيها واستخراج ما فيها من محتوى وصناعة أفضل المصنوعات؟
أجاب الرحالة: نعم رأيتها.
يطمئن الكهل الرحالة: لا تخف فإذا كنت من المحظوظين سيسمح لك بأن تنشئ منجما في أحد هذه الجبال، ولا أدري إذا كنت محظوظ أو ملعون .
سأل الرحالة الكهل: لماذا كل هذا أيها الكهل؟
يجيب الكهل: هل تظن أنهم سيعطونك المعدات التي تحتاجها بكل سهولة؟ تدريب مجاني ويخبرونك أيضا في أيج بل تحفر؟ طبعاً لا، كل ما يريدونه هو الثروات ولا يهمهم إن دربوا سكانا أو عاملين.
يتساءل الرحالة قائلا: ولكن هذا هراء إذا لم يدربوا العاملين أو يقدموا لهم أدوات ومعدات مناسبة فكيف يتوقعون إنتاجا جيدا؟
ضحك الكهل وقال: هم يريدون الإنتاج وهم يعرفون مخاطر تعذيب العمال، فقد يهرب لينجم وحدة ويبيع ما حصل عليه.
ولكن كيف تستفيد القرية إذا لم يكن هناك كادر مدرب؟ سأل الرحالة.
هي لم تصمم لتكون ذات فائدة، بل إن عمدة القرية أنشئ هذه القرية ليستقطب الزوار ويجذب المواهب، ويبقى هؤلاء تعيسي الحظ يطاردون الثروات في المناجم، بينما ذوي المواهب للقلعة حيث يقدمون الخدمات ويتم أخذ جزء من الثمن لصاحب القلعة. أجاب الكهل.
قال الرحال مشبها: هذه القرية أشبه بفخ الحشرات، الحشرة الأقوى تخرج لتكسب المكافئة بينما الأضعف تبقى لتموت.
أجابه: أصبت يا صاح لقد نصبوا في كلماتهم مصيدة، ووضعوها منتظرين إلى أن يأتي تعيس والمتفائل ليقوى فيها، وكل هذا من أجل المكسب المادي.
انتصب الرحالة ونهض معه الكهل، ليسأله هذا الأخير عن وجهته.
توجد قرية في أقصى الغرب سكانها من كل أنحاء العالم، يتكلمون لغة أتقنها ولكنني ظننت بأن هذه القرية التي يتحدثون فيها بلغتي الأم ستكون نقطة بيضاء في صفحة سوداء ولكنها كانت كتابا أسود.
ما اسم القرية التي تريد الذهاب إليها؟ سأل الكهل.
أجاب الرحالة مبتسما: reddit.
التعليقات