يزول تدريجياً تراقص ظل لهب الشمعة على الحائط ليقوم بإلتقاط معطفه وقبعته كعادته كل يوم عندما تهب نسائم الهواء الباكرة ويهب معها، كل من هو مجبور على العمل في مثل هذا الوقت ،ومن لم ينم حتى الآن وكلاهما يملأ النوم أعينهم . يبث ذلك الوقت الراحة والاستقرار في نفسه، فالناس نيام لذلك لن يلتفتوا لوجوده وهذا قد أسقطه دون التفات أو إعتذار لسيطرة النوم عليه ، يشعر بألم الوقعة ليطمئن أنه لم يتحول لشبحٍ بعد.

يقصد مكانه المعتاد الذي لا يناله عوامل الزمن فمقعده أمام البحيرة لم يتغير ،تواريه أوراق شجرة ربما لم تنقص أو تزيد ورقة، القارب المكسور على مقربة من البحيرة والمقعد المجاور لمقعده يجلس عليه كالمعتاد شريكه في المكان بالرغم من مشاركة المكان والأجواء إلا أنهم لم يتشاركوا الحديث أو النظرات .

لكن اليوم نقض المكان عهده وغاب الشريك اليوم تاركاً مقعده خالياً ومع تدقيق النظر وجد ورقة بدلاً منه "لا أحد يرانا أو يسمعنا 

هذه ليست أرضنا 

اليوم عدتُ لبيتي بعد عدة عقود

اليوم حللتُ اللغز وتوصلت للحقيقة 

اليوم تنفست النفس الأول لي بعد إنقطاع دام الكثير 

اليوم صرتُ من سكان البحار

لا تقلق يا صديقي سيأتي يومك قريباً،فأنت أيضاً إقتربت من نهاية. 

       إلى الدكتور: شريف اسماعيل "

يبدو أنه ليس يومي، فيومي لا يخرج عن المألوف والمتوقع وغياب شريكي الغائب وظهور هذه الرسالة لم يكن ضمن توقعاتى .

أخذ يهرول لبيته عالماً أنه لن ينجُ من صوت الحج رءوف وهو يحاول إفراغ أنفه بكل ما امتلك من قوة ،ولا من الحاجه بثينة وسبها وصراخها وإعتراضها على كل ما يحدث لها ودعائها على صاحب البيت الذي يزيد الإيجار كل شهر دون رحمة .

ولا من نداء عم حسين على بضاعته من الطماطم والخيار ،يجلس على عربته منذ الصباح حتى غروب الشمس لا يكل ولا يمل ولا ينقطع صوته.

فقط جيرانه خاصة الحاجة بثينة من يشعروا بوجوده و ينتبهوا لأنفاسه أثناء صعوده لغرفته حتى إنه مصدر تسليتهم فيقومون بتأليف القصص حوله حتى يقضوا وقتهم دون أن يقتلهم الملل .

صعد غرفته والاقى معطفه ليجد أنه قد أخذ الورقة دون انتباه منه 

جلس يفكر في أمر ذلك الغريب هل ألاقى نفسه في البحيرة ؟

لكنه لم يجد أثر لجثته ولو حدث ذلك لكانت الأخبار تحدثت عن الأمر .

كانت أول من جاء فى باله ليخبره بما حدث ويسأله عن رأيه ،ولكنها ستصفه بالمجنون هذه المرة أيضاً ولكنها ستكون محقة اليوم .

حرقت يده الشمعة المتآكلة والمحترقة لتسرقه من شروده، ويتذكر الحاجة بثينة وهى توبخه "لن تهدأ حتى تحرق تلك الغرفة ،اشتري مصباح بدلا من الشمع مادمت تنسى أن تخمد نارها على الأقل المصباح هو ما سيحترق عندما تنسى غلقه وليست الغرفة بأكملها".ثم تنهي كلامها بالدعاء عليها وأنها السبب في حالتي تلك.