روايتي GH*S جمعتهم الحياة مرتين

جلست يوما على كرسي في احدى حدائق المدينة هاربة من ازمات الحب ومشاكله التي لا تتوقف حينها خطرت لي كلمات مبعثرة وحين هممت في جمعها اذا بصوت شائخ يخاطبني هل اجلس اليك كانت عجوزا طاعنه ربما بين السبعين او اكثر قلت تفضلي رغم انه ليس المكان الوحيد الشاغر ولكن ربما اراد القدر ان يجمعني بها و ربما ارادة هي انيسا تتحدث اليه مقاطعا لحظات التأمل التي كنت اعيشها

مرت اخرى تحاول ان تشد انتباهي كانت تحمل في حقيبتها تفاحتان اهدتني واحدة قلت شكرا

قالت انه من فضل الله

شعرت بالإحراج لأنني اجابه كرمها بصمتي وانا التي اعيش الصمت في كل حالتي الي امام الاوراق و الاقلام

كان لا بد لي من ان ابادرها بعض الكلمات كي لا ترى في تصرفي احتقار و تكبر قلت كيف الحال

قالت احمد الله على كل ما عشت و كل ما حدث لي

شعرت انها تريد مواصلة الحديث لكنها تنتضر سؤال تخيرت سؤالي بحكمة و قلت وكيف كانت حياتك

قالت انها كثيرة على وقتنا ولكنني سأحكي المفيد منها

كنت صبية في عمر الخمسة عشر حينما سمعت امي تتحث الي احدى الجيران كانت تسألها كيف نجهز انفسنا وان الوقت لا يسمح للإحتفال هذا الصيف فقد مات احد جيرننا وان اهله سيتألمون حين فرحنا كنت لا اعلم سبب الحديث ولا اعرف ماهي المناسبة التي سنحتفل بها بعد ثلاثة اشهر

اتذكر ايضا ذالك اليوم لقد كان ربيعيا جميل كنت رفقة اختي الصغيرة الاعبها امام الدار بعد ان فرغت من واجباتي المنزلية كما هي العادة لمحت بعض الناس قد اقبلو صوبنا فاسرعت الي امي اخبرها بقدوم الضيوف لكنها لم تبدي استغرابا كأنها كانت تعلم بقدومهم وربما هي من دعاهم

كما يحدث حين يحضر احد الغرباء الي منازلنا في ذالك الزمان الجميل اتخذت لي مكان في المطبخ حياء و واجب

لا اعلم متى اعدت امي كل تلك الاطباق ولا لمذا هذه المبالغة في الكرم مرت تلك الشهور وانا اشعر بحركة عجيبة داخل البيت و فوضى اربكتني وكأننا نحضر الى امر جلل لم اتجرأ حتى ان اسأل عنه وقبل الموعد بأيام زارتنا الخالت و العمات والجارات ايضا مازاد ريبتي و توتري

قالت احداهن بنبرة ساخرة كيف حال العروس

توقف الزمن بي في تلك اللحضة و كشف السر اللذي اخفاه عني الجميع ربما لم افهم معنى الكلمات ولكنني ادركت ان وجودي في هذا المكان لم يعد ممكنا فقد سمعت بعض القصص عن الاعراس كيف انها تسرق الفتيات الجميلات لتحولهن الي نساء قبيحات يحكمهن عجوز متسلط لا يعرف غير لغة الضرب والعقاب كما حدث مع رفيقتي عمري التي سرقها الزواج ولم ارها مذ ذاك الوقت هرولت نحو غرفة امي واغلقت الباب فقد كانت الغرفة الوحيدة التي لم تحتلها الوفود القادمة جلست اما المرآة اتأمل جسدي الذي وقعت في غرامه مأخرا لما طرأ عليه من تغير وانا اتألم خوفا من مصيره وخوفا من ان اصير بشعة كما العجائز

مرت المراسم الغريبة و الطقوس العجيبة وانا في فجوة بين النوم واليقظة و اقتادني الموكب ذالك اليوم كمن يقتاد الذبيهة الي مسلخها و الهواجس ترقص امامي تستفزني فجأة توقف الوقت خلف ذالك الباب

لأراه لاول مرة كان شابا في مقتبل العمر وانا التي تخيلته اكبر من والدي منير وجهه كأنه القمر شعره الاسود الكثيف سحرني و حتى شاربة الذي يحمل كل علامات الرجولة عشقته دون بوح رفع عنه ذالك البرنس الابيض اللذي كان يغطي كتفه و قالت بنبرة رقيقة كأنه يخاطب بنية تلعب لا زوجه كيف انت اكتسحني الخجل و ربط لساني وانا التي تربية على الوقار والاحترام كنت اختلس النضر اليه دون ان ينتبه ودون ان ارفع رأسي امام شموخه قال لن ازعجك فلا تخافي انا حقا احترم النساء فجأة نطق لساني دون وعي اتعني انك لن تضربني قال وقد ارتسمت الابتسامة الساخرة الساحرة على وجهه ومن اخبرك بهذه التفاهات قلت سمعت قال دعك من حديث الناس فليس كل ما نسمعه حقيقة كانت كلماته كأنها درر تخرج من قلبه الجميل وقعت حقا في حبه دون تبرير كان الطف الناس و احسنهم معاملة لي كان كل حياتي كان يعلم الاطفال ثم يعود للبيت ليعلمني اسرار الحياة و تفاصيلها وانا التي لم اعرف يوما كيف اكتب حرفا صرت معه قارئة كاتبة حتى المصحف الذي لم اتعود ان افهم حروفه فقد تعلمت المد و القلقلة و كثيرا من القواعد كان معلمي و دليلي هدايتي وسبيلي عند عودته كنت احضر مراسم استقباله كأنني استقبل ضيف مبجل كنت اغسل ساقيه دون خجل وااطعمة دون صخب لم اكن اشتكي له تعبي ولا ارهاقي كي لا يشعر بتذمري و مللي كنت له الاخلاص والوفاء وكان لي الحب و العطاء نبع علمي و مصدر رزقي و باب جنتي لم يجرح مشاعري يوما ولو في حين الغضب ولم اجادله ابدا خوف عليه من الغضب

وبعد مرور شهور دون مأشرات بدأت السؤال المحرج يلوح في ارجاء المكان كأنهم يعيشون معي يتدخلون في كل تفاصيل حياة التي ارتضيتها و ارتضاها هو و كان ذالك اليوم اصعب الايام عندما زارتني حماتي كانت تصرخ دون توقف تجرح مشاعري بكلمات اعجز عن ذكرها و تزامنت تلك المحاكة مع وقت عودة البدر الي دياره وما ان سمع ذالك الوابل حتى صدح كاذب ليس هيا بل انا تسمرت امه فجأة شاغرة تتراقص عينها يمنة و يسرا كأنها تريد ان اصحح كلامه ولكنني عجزت ان اكذبه امامها و انا التي لا اقوى على جداله امام احد غادرتنا في ذهول تام وكأنها لم تصدق ربما لأنها ام تشعر حينما يخفي ابنائها امرا فأجهشت انا باكية دون توقف قال عمادي لمذا البكاء وانا الذي اعشق الارض التي تمشينها انت الرجاء فمذا بدونك اصنع كلماته زادة من المي وقلت كيف تعشقني وانا قال كفى انت لي و لا ارجو من الله غير سعادتك و الوفاء قلت سأزوجك ثانية قال حرمت على نفسي نساء الدنيا بعدك قلت وانا حرمت الحياة بعدك عشنا الشباب عشاق و عشنا الكهولة عشاق و عشنا المشيب عشاق

ثم تنهدة من اعماق الصدر و بكت

قلت لما البكاء

قالت انا اترقب اللحاق بعشقي

قلت هل رحل

قالت بكل الم اجل

ثم اردفت تسأني وانت قلت انا ابحث

قالت بنبرة ساخرة ( حبنا عظيم في بساطته و حبكم تافيه التعقيدات)

قلت صدقت

قالت حان وقت رحيلي قلت الي اين قالت عندي معه موعد

قلت مع من

قالت معى بدري و عمادي و قبسة فؤادي

غادرت ذالك المكان الذي امتلئ احساس و الم متجانسان لا يفترقان و ضللت انا افكر في كل وصف و كل كلمة وتوقفت حينما قالت حان وقت الرحيل خفت ان يكون ذالك الاحساس الذي يسبق اليقين

رحلت انا ايضا لكنني حملت معي تلك القصة لاعيشها و اتأملها و اتفنن في سردها

مضت ايام قليلة وانا على وقع تلك القصة اتذكرها و احياها و اتخيل شخصياتها ارى ذالك الزوج من خلال وصفها كأنه رجل المستحيل جمعت فيه كل صفات الرجولة

جعلتني تلك العجوز احيا بين حلاوة ومرارة ربما اهدتني سر الحياة و حقيقتها نتذوقها كما نتذوق التفاح ثم نتجرع مرارتها لنعرف الفرق بين نعمة والحرمان

عدت الي ذالك المكان كي اعيد احياء قصتي و تأملت ان التقيها هناك ثانية فقد ادركت انها تسكن في مكان قريب الي تلك الحديقة لانها لا تقوى على المشي مسافات ابعد

حقا قابلتها ثانية هذه المرة عشت القصة امامي ولكن في طورها الاخير كان منزلا جميل فيه حديقة قد تفنن صاحبها في رعايتها ولا يمكن الي ان يكون نفسه ذالك الحبيب فقد زرع جميع انواع الزهور احتفاء بتوأم روحه التي ابت العيش بعده تحلق حول البيت جمع غفير ليخرج احدهم و يقول عظم الله اجركم لقد فارقة الحياة

صدقت حينها ان من رحم الالم و من وجع الفراق يولد بصيص الامل عاش بها و عاشت معه و كرس حياته دفاعا و حبا وفأحبته جمعتهم الحياة و ابى الموت ان يفرقهم

نعيش بحثا عن الحب في صراع مستمر بين ضغوط الواقع و احداثه قليل منا من يحالفه حظ وجوده ولكننا نعيش على ذالك الامل نعد انفسنا بالممكن والوارد

ليتنا نعشق عشقهم العظيم في بساطته ونبتعد عن حب تافيه التعقيدات