بقلم: محمد دومو
كل الطرق تؤدي للمعرفة!
كان هناك في الحي، بجانب الشارع متجر صغير للكتب والجرائد، كنت اعرف البائع، واعرف بالخصوص ولده، الذي كان ينوب على ابيه بين الفينة والاخرى، كان هذا الولد يدرس في المدرسة التي كنت أنا الآخر ادرس فيها، نشأت صداقة بيني وبينه، كنا ما زلنا أطفالا. كنت أقوم بزيارات متعددة لهذا الطفل وهو في متجر أبيه، لقد كنت اتسلى معه كثيرا وهو في متجر أبيه، كان دائما يناولني جريدة أو مجلة ما، لقراءة بعض المواضيع، كان هو الآخر يقرأ كثيرا، لقد تعود على ذلك وهو ما يزال صغيرا، حتى أصبحت القراءة هوايته المفضلة.
لقد استفاد هذا الولد من زخم كل المواضيع الذي يتناولها وهو يقرأ دائما، كان متميزا في تحصيله الدراسي. أصبحت لغته تتحسن يوما بعد يوم، وكان أثر المطالعة قد جعل أسلوب تعابيره غاية في الجمال والبلاغة.
وفي العطل المدرسية، تراه هذا البائع الصغير للكتب، دائما في المتجر يقرأ ويبيع، حتى الزبناء كان يستهويهم هذا الطفل البريء، أنه بالفعل طفل مميز، ومثقف إلى حد ما، وهو ما يزال مقبلا على الحياة.
ومع مرور الأيام وهو على حاله، وحتى وهو في التعليم العالي، كان يتردد كثيرا على متجر أبيه، كنت أتنبأ له بمستقبل زاهر في الميادين الثقافية والكتابية…
لقد نال شهادته الجامعية، ودخل ميدان التدريس، وكان في الأوقات الفارغة يزور متجر أبيه، ليشاركه في مهامه ويقرأ بعض الكتب.
فأصبح بعد هذا الجهد الطويل يكتب المقالات في الصحف والجرائد، و يبيع الجرائد أيضا.
فمن الموزع الحقيقي هنا؟
هل هو الكاتب؟
أم الشخص الذي في المتجر؟
مادام الاثنين معا يفعلان نفس الشيء، الا وهو التوزيع ولا داعي أن نتطرق للأجر المحصل من جراء كلتي العمليات الاثنتين: الكتابة والتوزيع.
قد اقول انا هنا في شخص هذا الصديق، أنه كان موزعا وأصبح موزعا! أو بعبارة اوضح لقد كان يبيع الكتب، وأصبح يؤلف الكتب، الواحد من هؤلاء يكمل الآخر. وصديقي فيه الاثنين معا.
لقد حافظ صديقي هذا على إعطاء المعرفة للقراء، فمن إعطائهم إياها عبر وسيلة التوزيع، تحول لإعطائهم المعرفة عن طريق التأليف، أو إذا صح التعبير اشتركت فيه الوسيلتين الاثنتين. لقد فهم صديقنا هذا القولة المشهورة فهما عميقا: كل الطرق تؤدي الى روما.
من وجهة نظري، اقول انا ان هذا الانسان، له أجران. اجر على الكتابة وأجر على توزيعها. فلقد ادى دوره في هذه الدنيا على ما يرام هذا الصدق العزيز.