في عام 1996، جلس جاري كاسباروف، بطل العالم في الشطرنج آنذاك، في مواجهة آلة تُدعى Deep Blue. لم يكن يتوقع أحد أن ينهزم أعظم أذهان اللعبة أمام حاسوب. لكن ذلك حدث. لم يكن الحدث مجرد مباراة، بل لحظة فارقة في علاقة الإنسان بالآلة. لأول مرة، شعرنا أن الذكاء لم يعد حكرًا علينا.

مرّت العقود، وتكررت هذه اللحظة في مجالات شتى. من كتابة الشعر والموسيقى، إلى تشخيص الأمراض وتحليل الأسواق. لكن ما حدث مؤخرًا كان مختلفًا. قبل أسابيع فقط، خاض نموذج الذكاء الاصطناعي OpenAI o4، تحديًا جديدا، وهو حل مسائل رياضية معقدة وابتكارية، أمام نخبة من أبرز العقول في الرياضيات. والنتيجة مجددا كانت تفوق الآلة وبفارق واضح.

لم تكن هذه مجرد انتصارات حسابية. بل كانت مؤشرات على أن الآلة لم تعد تبرع فقط في التكرار والسرعة، بل بدأت تلامس جوهر ما كنا نعتقد أنه خاصتنا ويميزنا، الإبداع والتفكير والعبقرية. هذه الأحداث تجعلنا نتساءل هل ما زال الإنسان هو الكائن الأذكى على الكوكب أم أن الآلة قد أصبحت أكثر عبقرية منه؟

بعضنا يلجأ إلى عزاءٍ مألوف وهو “نحن من صنعناها”. وهذا صحيح. لكن في كل مرة تتفوق فيها الآلة على مخترعها، يصبح هذا العزاء هشًا. التاريخ علمنا أن من يصنع شيئًا أقوى منه، لا يبقى المتحكم فيه إلى الأبد.

لكن رغم ذلك، ما زلت شخصيا ارى أن هناك مساحة للإنسان لا يمكنا منافسته فيها. ليس فقط لأنه يملك الوعي، بل لأنه يفهم المعنى ويعيش التجربة. الآلة تبرع في حل مشكلة ما لكن لن تفهم لماذا يجب أن تحل المشكلة ولن تشعر بأثر النتائج، أو بمعنى آخر فهي لا تملك غاية بل هي تتبع الأوامر فقط.

ربما لن يبقى الإنسان الكائن الأذكى في بعض المهام، لكنه قد يظل الأكثر وعيا وإدراكا وقدرة على التحكم… فمن وجهة نظرك، هل سحب الذكاء الاصطناعي بساط العبقرية من تحت أقدامنا فعلا؟ وكيف نتعايش مع أشياء صنعناها لكن سرعان ما تفوقت علينا؟