هل يتعارض التفاؤل مع طول الأمل؟
كثيرًا ما يُخلط بين التفاؤل وطول الأمل، فيظن البعض أن كليهما وجهان لعملة واحدة، بينما هما في الحقيقة مساران متباينان، وإن اشتركا في ظاهرهما في انتظار الخير. فالتفاؤل حالة قلبية راقية، تنبع من حسن الظن بالله، والثقة بلطفه، والرضا بما قسم، والسعي المقرون بالأمل. أما طول الأمل، فهو غفلة القلب عن الآخرة، وتعلقه بالدنيا، وركونه إلى متاعها، كأنّ الموت لن يطرق بابه أبدًا.
المتفائل يزرع اليوم ليجني غدًا، لكنه يعلم أن أجله قد يسبقه إلى الحصاد، فيرجو من الله القبول إن لم يُمهل.
أما صاحب طول الأمل، فهو يؤجل التوبة، ويُسَوِّف في الطاعات، ويغتر بسعة الوقت، فيموت قلبه قبل أن يموت جسده.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
"إنما أخشى عليكم اثنتين: اتباع الهوى، وطول الأمل. فأما اتباع الهوى فيصدّ عن الحق، وأما طول الأمل فيُنسي الآخرة."
فالتفاؤل لا يعني الركون ولا التسويف، بل هو وقود العمل الصالح، وجناح الطموح الصادق.
والفرق الجوهري أن التفاؤل يرتبط بالإيمان والتوكل، أما طول الأمل فيرتبط بالغفلة والكسل.
ومن كمال العقل أن يُوازن المؤمن بين قلبٍ متفائل بالخير، وعينٍ تبصر حقيقة الدنيا، فلا يغتر بطول الأمل، ولا ييأس إن اشتد البلاء.
قال الحسن البصري:
"ما أطال عبدٌ الأمل إلا أساء العمل."
ومن أبلغ الأمثلة في ذلك ما رُوي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أنه قال لرجل:
"إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك."
كان ابن عمر إذا سمع الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم:
"كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل"،
يقول: "إذا أمسيتَ فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحتَ فلا تنتظر المساء"، وكان يعدّ نفسه من أهل القبور.
هذه الكلمات تلخّص الفرق بين التفاؤل وطول الأمل:
فالمؤمن لا يفقد الرجاء، لكنه لا يُسَوِّف، يعيش لحظته، ويعمل لآخرته، لا يأمن الموت، لكنه يظل متفائلًا برحمة الله.
فالتفاؤل وطول الأمل يبدوان متقاربين في الظاهر، لكن بينهما فرق دقيق، وإذا فهمنا هذا الفرق يتضح متى يكون طول الأمل مذمومًا، ومتى لا يتعارض مع التفاؤل:
1. التفاؤل:
هو حُسن الظن بالله، وتوقع الخير، والسعي لتحقيقه، مع الإيمان أن الأمور بيد الله، وأنه سيختار لنا الأفضل، حتى لو خالف ظننا.
- صفة محمودة.
- يدفع للعمل والإصلاح.
- لا يُنسي الآخرة، بل يعين عليها.
- مثال: تتفائلين أن الله سييسر أمورك، فتحسنين الدعاء والعمل.
2. طول الأمل:
هو ركون القلب للدنيا، وكأن الحياة ستطول بلا نهاية، فيؤجل الطاعات، ويتكاسل عن التوبة، ويبالغ في التعلق بالدنيا.
- صفة مذمومة.
- تؤدي للغفلة.
- تُنسي الموت والدار الآخرة.
- مثال: يقول شخص "لسه بدري، إن شاء الله أتوب بعدين"، ولا يسارع للخير.
الفرق بين طول الأمل والطموح:
الطموح: هو سَعي الإنسان لتحقيق أهداف مشروعة، دنيوية أو دينية، مع تخطيط وجدّ واجتهاد، وبحسن نية ووعي بقيمة الوقت والفرص.
الطموح من الإيجابيات، بل هو من صفات المؤمن القوي، إذا كان مقرونًا بالتوكل وعدم الغفلة عن الآخرة.
أما طول الأمل: فهو أن يعيش الإنسان غافلًا عن الموت، مؤجلًا للتوبة، مؤمنًا بأن لديه وقتًا كثيرًا، فيُفرّط في الطاعات، ويغتر بالدنيا.
فطول الأمل ليس خطأ في الطموح، بل في نسيان الحقيقة الكبرى: أن الموت قريب.
علاقتهما:
يمكن أن يُشبه الطموح بطريق، وطول الأمل بسِتر يُغطّي نهاية الطريق.
فالطموح السليم يدفع الإنسان للعمل بجد، لكن إذا امتزج بطول الأمل، فربما يركن الإنسان ويُهمل أولوياته الأخروية، ويؤجل التوبة والعبادة بحجة "س أ فعل لاحقًا".
الخلاصة:
- التفاؤل لا يتعارض مع قِصر الأمل، بل يتكامل معه:
- تفاؤل + قصر أمل = عمل صالح + رجاء + وعي بالآخرة.
- أما التفاؤل الذي يصاحبه طول أمل غافل، فيصبح خادعًا؛ كأن يُسرف في الذنوب ويقول "أنا متفائل إن ربنا بيحبني"، فهذا ليس تفاؤلًا، بل أماني فارغة.
فكن متفائلًا في كل خطوة، ولا تؤخر التوبة، ولا تؤجل الصلاح، وازرع ما شئت، لكن لا تنسَ أنك قد تُقبض قبل أن تجني، فاجعل كل لحظة من حياتك كأنها الأخيرة، واعمل فيها كما يعمل المتفائل، لا كما يسوّف صاحب طول الأمل. كما أن الطموح لا يتعارض مع الإيمان، بل هو محمود إذا توازن مع الخوف من الله وقِصَر الأمل. أما إذا طال الأمل حتى أنسى صاحبه الموت والآخرة، فإنه يفسد الطموح، ويحوّله إلى غرور أو غفلة.