- في صلاة الفجر سبيل خلقه الله لنا لننجو بأنفسنا من وحل شهواتنا، ونعمة نمهد بها طريقنا نحو ما نتمناه ونحو الدار الآخرة، وفيها إعانة على ترتيب الأولويات وتدريب على مواجهة التحديات في كل مرة نستعد فيها للنوم
______________________________________________________________________________________________
______________________________________________________________________________________________
(والفَّجْر) سورة الفجر- ١، هنا البداية في حياة المسلم، هي العلامة الفارقة في حياته والخط الفاصل بين نجاحه وفشله، بل هنا يكمن التحدي الأكبر، عندما يُرفع أذان صلاة الفجر معلنا عن بداية يوم جديد للإنسان المسلم، التحدي الذي يجعل منه إما مُنفذا ناجحا أو جبانا خانعا، فالمرء القادر على التحكم في رغبات جسده من راحة ونوم وإجهاض الوساوس الشيطانية متحليا بنفس قوية، هو ذاته المرء القادر على جعل المستحيل ممكنا، وصُنع البدايات من الصعوبات والعقبات.
يُجمع أكبر علماء النفس والعاملين في مجال التطوير البشري، أن التحكم في الذات هو أحد الخصال الهامة في الشخصية الناجحة، فكيف لنفس أن تبلغ منالها إن لم تكن قادرة على كبح شهواتها ورغبات جسدها الفاني؟ كيف للمرء أن يصبح ناجحا ورائدا إن لم يكن قادرا على تأديب نفسه مكتفيا باتباعها بدلا من قيادتها؟ بل كيف لهذه الأمة أن تنهض وتحيا إن كان النوم هو أكبر مصائبها؟!
لذا صلاة الفجر قادرة على بِناء إنسان ناجح بوضعها اللبنة الأولى في ذاته وهي التحكم في الذات، ليس هذا فحسب بل تزرع في نفسه النشاط وتنزع جذور الكسل من كيانه مستبدلة إياها ببذور البدايات الطيبة ببركة الله. من جانب آخر، يدهشني إمكانية المسلم أن يواجه خفايا قدره في يومه هذا إن كانت البداية بعيدة عن ظل ورحمة الله عز وجل؟ أي قوة بل جُرأة وقحة تدفع المرء إلى هذه البداية المظلمة ظنا منه أنها ليست بهذه الأهمية؟ من أين لهم القوة اللازمة لمواجهة هذا اليوم حتى النهاية؟ بلا تكبيرة تجعل من مخاوفهم مجرد أوهام، ولا ركعة وسجدة تُذكرهم بمن عينه لا تنام!
وهنا يخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يعقد الشيطان على قافية رأْس أحدكم ثلاث عقد إذا هو نام، كل عقدة يضرب عليه، يقول: عليك ليل طويل، فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلَّت عقدة، وإن توضأ انحلَّت عقدتان، فإذا صلَّى انحلت العقد، فأصبح نشيطاً طيِّب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان)) متفق عليه عن أبي هريرة، يحاول الشيطان إبقاء المسلم في موتته الصغرى عن صلاة الفجر على مدى حياته ليجد نفسه بعد فوات الآوان يستيقظ من الموتة الكبرى، حيث لا ندم ينفد به المرء ولا دموع تنفع، يوم السؤال عن ما جعله الله كالكتاب الموقوت على المسلم! (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا) سورة النساء -103.