كل عالم ناقص:

       كنت أرى العلماء منذ صغرى أنهم لا ينقصهم شئ، وأنهم يعلمون كل مافى الدنيا، وليس العلماء فحسب بل والمثقفين أيضاً. 

فكان لدى قريب كما يقال عن أمثاله دودة كتب، كثير القراءة، وفى كل المجالات، وكنت عندما أسأله عن أى معلومة أجده لديه خلفية جيدة عنها، وتمنيت أن أكون مثله. 

وكبرت على هذا الإعتقاد الخاطىء وبدأت أقرأ على نية إنى ألم بكل العلوم  إلى أن اكتشفت الحقيقة الصامدة، فلا يوجد عالم يعلم كل شىء على الحياة بأكملها!  

فهناك تخصصات طب، وهندسة، وجغرافيا وتاريخ وفلسفة وغيرها من العلوم، ورغم التخصص والدراسات المتخصصة والدرجات العلمية التى يتدرج فيها الباحثين؛ ومن ثم العلماء؛ فهى لا تجعلهم عنده إحاطة بكل تفاصيله! فسيظل كل عالم عنده نقص فى المعلومات التى فى خصصه حتى!

 لأن العلم بحر ليس له نهاية أو بمعنى أدق نهايته لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى. 

كيف تصل للعلم بالله؟

كنت أعتقد أن كثرة التعلم والقراءة فى المجال الدينى ستجعلني على علم كامل بالله، وقد أصل لدرجة العارفين بالله عز وجل، فالدين ينحصر فى القرآن والسنة النبوية فقط، ولكن اكتشفت غلط ظنى!

وكان لدى تجربة فريدة من نوعها جعلتني أتساءل "هل العلم بالله ينال بكثرة التعلم أو القراءة والثقافة أم بالتقوى وبما اصطفاه الله من عباده أم عند الله اختيار آخر لا نعلمه؟"

فالله يفتح لمن يشاء، فكم منا يقرأ القرآن؟ ولكن قليل من يتدبرون!

وما أكد لى ذلك أنى أعلم رجل على درجة عالية من الثقافة الدينية والعامة، فهو قارئ جيد جداً، ومضطلع على أمور كثيرة فى شتى المجالات، ورغم ذلك لم تحصنه ثقافته ولا علمه من الوقوع فى تفسير آية قرآنية عظيمة!

كيف يخشى الله من العلماء؟

والآية هي قوله تعالى: ﴿إنما يخشى الله من عباده العلماء﴾ آية 28 من سورة فاطر، والذى وجدته يفسرها على أن الله عز وجل يخشى على علماؤه من الوقوع في الفتنة! وهذا تفسير خاطىء جداً!

وأنا الذي أقل منه ثقافة وعلماً بفضل الله توصلت إلى التفسير الصحيح للآية وهو أن العلماء هم أكثر الناس خشية من الله سبحانه وتعالى، وأن الآية دقيقة من الناحية اللغوية، فالعلماء هم الذين يخافون من الله وليس العكس!

فالله لا يخاف مطلقاً، وكيف يخاف على عباده من الضلال؟! وهو الذي بيده هدايتهم، فلقد جاء فى حديث نبوى؛ رواه: أنس بن مالك

أنه قال: "كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يُكثِرُ أن يقولَ: يا مقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ فقلتُ: يا نبيَّ اللَّهِ آمنَّا بِكَ وبما جئتَ بِهِ فَهل تخافُ علَينا؟ قالَ: نعَم إنَّ القلوبَ بينَ إصبَعَينِ من أصابعِ اللَّهِ يقلِّبُها كيفَ شاءَ. صدق رسول الله (صلى الله عليه وسلم)

بمعنى أن الله سبحانه وتعالى بيده أن يثبت العبد على دينه أو يتركه يضل، وهذا أمر طبيعى فهو القادر على كل شيء.

كما ذكر الله عز وجل فى آيات كثيرة تدل أن الهداية بيده، فمثلاً الشطر الثاني من الآية 39 في سورة الأنعام فى قوله تعالى: ﴿وَالَّذينَ كَذَّبوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكمٌ فِي الظُّلُماتِ مَن يَشَإِ اللَّهُ يُضلِلهُ وَمَن يَشَأ يَجعَلهُ عَلى صِراطٍ مُستَقيمٍ﴾

ويوجد غيرها الكثير من الآيات.

وهنا سألت نفسي لماذا لم يصل هو مثلى للتفسير الصحيح؟! هل لأنه اعتمد على علمه ولم يلجأ للبحث عن تفسيرها كما فعلت؟ أم لأننى من كرم الله عليه وضع فى طريقى قبلها امرأة مؤمنة عرفتنى التفسير الصحيح للآية؟ ولماذا لم يضع في طريقه من يدله؟

ورغم أنى فعلت وارشدته على التفسير الصحيح، ولكنه عارض وجادل وأصر على تفسيره!

لا تفتخر بعلمك فهو ذره من علم الله: 

وعاد السؤال لذهنى هل العلم بالله ينال بكثرة التعلم أم بالتقوى؟ فلو كان ليس بكثرة التعلم فليس أيضاً بالتقوى؛ لأننى لست أكثر تقوى من هذا الرجل فهو حافظ لكتاب الله، وعمل من الصالحات ما يفوق أن يتوقعه أحد، ويصلى الكثير من النوافل ليس فقط الفروض مثلى، إذن ما ينقصه؟ أو ما أزيد أنا عليه؟ الله أعلى وأعلم. 

وأعتقد أن السبب هو ثقته الزائدة فى ثقافته ومعرفته لا أقول تكبره، لأنه ليس متكبر، وإن كان يعتز بثقافته وعلمه ويسخر من الجيل الجديد الأقل منه بسنين فى العلم والاطلاع، فهو وجد نفسه عالم لا يحتاج للرجوع لرأى المفسرين لهذا اكتفى لفهمه الأولى الآية، أما أنا لم اكتفى وبحثت عن تفسيرها رغم من سبق واخبرنى بها. 

وما أكد لى اعتقادى أننى وقعت فى نفس الخطأ عندما قلت وجهة نظري فى مسألة ما وجادلت فيها، من هو أقل سنًا منى على أساس أنى أعلم أكثر منه! 

والحمدلله اكتشفت خطأ ماقلت بعد فترة طويلة! وأن من يصغرنى أصح منى فى المعلومة الدينية، والعجيب أنه لم يكن يواظب على الصلاة مثلى، ولا يقرأ القرآن كثيراً، وهذا ما زاد حيرتى! فالأمر لا يتعلق بالتقوى أيضاً! 

ولا تقول الصلاة ليس شرط للتقوى لأن الصلاة أقوى صلة بين العبد وربه، ولا يوجد عذر لترك الصلاة، ولقد سبق وكتبت مقالة عن الصلاة العلاقة بين العبد وربه وأوضحت أهميتها تستطيع الاضطلاع من هذا الرابط. https://eanmo-society.blogs...

ما الذي يجعل العالم ينقصه علم؟ 

من أول الأسباب أننا كبشر نغتر وأحيانًا نتكبر على من هم أقل منا علماً. 

ثانياً : نكتفي بما حصلناه من علم ولا نبحث ثانية، وهذا أكبر الأخطاء! اتعلم لماذا؟ 

لأنه لا ينبغى أن يتوقف الإنسان عن البحث والتعلم فحتى لو المعلومة التي يعرفها وواثق منها، فقد يجد عند بحثه حجة أقوى أو معلومة ثانيه تجعله يفهم الأولى بتوسع، وحتى لو لم يجد فإعادة المعلومة تنشط ذاكرته فقد تكون نسي جزء من المعلومة. 

ثالثاً : وأعتقد أن هذا هو الرأى الراجح أنه لا يوجد عبد عنده العلم الكامل، والنهائى عن الله عز وجل، لأن الله تعالى في آخر شطر من الآية 76 من سورة يوسف قال: (نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ ۗ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) 

(وفوق كل ذي علم عليم ) كما قال الحسن البصري : ليس عالم إلا فوقه عالم ، حتى ينتهي إلى الله عز وجل.

كما قال تعالى : ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير ) [ المجادلة : 11 ] 

إذن العلم درجات ولكل إنسان عنده درجة من درجات العلم، والله هو الذى يختار من يشاء، ولكن على المتعلم والعالم ليصل لعلم الله أن يتذكر دائماً أن علمه ناقص وأن الله عنده العلم كله. 

بقلم: منة الله بنت محمد