حمقى ومغفلين ..

من الطبيعي أن يعيش الأنسان العربي في حيرة لا يمكنه تجاوزها ، فالوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في دوامة لا يمكن التنبؤ بمخرجاتها ، ولا التنبؤ بنهايتها ، ومطلوب منه الاستسلام لكل قرارات السلطات الحاكمة دون أن يعرف إلى أين تسير تلك التوجهات داخل إعصار الزمن وأين سيكون هو في المستقبل .

تدجننا الحكومات لنسير على برمجة العلف ، فنأتي في موعد الطعام ، فنعرف أين نأكل وأين نشرب ، فمداخلنا ومخارجنا واحدة ، ندخل من باب ونعود لنخرج منه ثم نعود وندخل من نفس الباب ، لنكتشف أن الأبواب كلها باب واحد ونحن ننظر له من الداخل والخارج ونظن أنه مختلف ، أو نوهم أنفسنا أنه مختلف ، لنزرع بعض الأمل في المستقبل .

الوجوه لا تتغير فلا جديد إلى المباني ، ولا حديث إلى التكنلوجيا ، وحين نتحدث عن العقول ، تخرج لنا عقول القرن الماضي لتأنبنا وتلومنا وتطلب منا أن نحمد الله ونشكر نعمه ، وكأننا أصبحنا جاحدون لمجرد أننا نفكر ، لمجرد أننا قلنا أن ما يحدث خطأ وأننا نستحق أن نعيش في وطن منظم وطن نعيش فيه وطن لا يسجننا في أفكار محددة وتصورات وأراء محددة .

الزمن يدور والعقول تكبر وتشيخ ، إلا تلك العقول التي لا تريد أن تتنازل ولا تريد أن تعترف أن الإنسان العربي أصبح يحمل في داخله وعي تجاوز تصور تلك الدول ، وعي يجعله يستوعب الحضارات ، ويعيش الديمقراطية ويمارسها ، وعي يمكنه أن يكون فاعلاً في خدمة وطنه ، وعي يمكنه أن يتجاوز كل المراحل لو أنه خرج من سجنه الذاتي .

ونعود لتلك الدوامة من جديد ، لتعصرنا مع الزمن ، لنخرج في النهاية بلا شيء ، نخرج منها وقد جفت افكارنا ، ونعود لنشرب الماء من نفس المكان وننتظر الطعام ، مجموعة من الجياع الحمقى يتصارعون على الطعام ، ويبصق كل واحد منهم في إناء الماء ، لكي يعكره على من يليه ، نتصارع على طبق واحد لا نعرف غيره ، ونشرب من ماء عكر ، لا نجد غيره .