عبد الله بن ياسين
كان عبد الله بن ياسين- الزعيم الأول للمرابطين، وجامع شملهم، وصاحب الدعوة الإصلاحية فيهم، (ت451هـ=1059م)- من فقهاء المالكية.
كان من حُذَّاق الطلبة الأذكياء النبهاء النبلاء، من أهل الدين والفضل، والتقى والورع والفقه، والأدب والسياسة، مشاركًا في العلوم[1]، قال الذهبي: «كان عالمًا قوي النفس، ذا رأي وتدبير»[2].
أي ذا شخصية قوية له علم وبصر بالأمور وله قدرة على حسن التصرف. وها هو ذا يَقبل القيام بهذه المهمَّة الكبيرة، التي أحجم عنها أقرانه من تلاميذ الفقيه وجاج، وفضَّل أن يُغَوِّر في الصحراء.
عبد الله بن ياسين ومهمة الأنبياء
اتَّجه الشيخ عبد الله بن ياسين صَوْب الصحراء الكبرى، مخترقًا جنوب الجزائر وشمال موريتانيا حتى وصل إلى الجنوب منها، حيث قبيلة جُدَالة، وحيث الأرض المجدِبة والحرُّ الشديد، وفي أناةٍ شديدة، وبعدما هالَه أمر الناس في ارتكاب المنكرات أمام بعضهم البعض، ولا يُنْكِر عليهم مُنْكِر، بدأ يُعَلِّم الناسَ؛ يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، وكان الناس في جهل مطبق يصفه القاضي عياض -رحمه الله- بقوله: كان الدين عندهم قليلاً، وأكثرهم جاهلية، ليس عند أكثرهم غير الشهادتين، ولا يعرف من وظائف الإسلام سواهما[3].
ولكن ثار عليه زعماء القوم وأصحاب المصالح، فهم أكبر مستفيد مما يحدث، فبدأ الناس يجادلونه ويصدُّونه عمَّا يفعل، ولم يستطع يحيى بن إبراهيم الجُدالي زعيم القبيلة أن يحميه.
لم يقنط الشيخ عبد الله بن ياسين، وحاول المرَّة تلو المرَّة، فضربوه وأهانوه، ثم هَدَّدُوه بالطرد من البلاد أو القتل، إلا أن موقف الشيخ لم يَزْدَدْ إلاَّ صلابة، ومرَّت الأيام وهو يدعو ويدعو، حتى طردوه بالفعل، ولسانُ حالهم: دعك عنا، اتركنا وشأننا، ارجع إلى قومك فعَلِّمهم بدلاً منا، دع هذه البلاد تعيش كما تعيش فليس هذا من شأنك. وكأني أراه رأي العين وهو يقف خارج حدود القبيلة وبعد أن طرده الناس، تنحدر دموعه على خدِّه، ويقول مشفقًا على قومه: {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ} [يس: 26].
يُريد أن يُغَيِّر ولا يستطيع، أنْفُسٌ تتفلَّتُ منه إلى طريق الغواية والانحراف عن النهج القويم، ولا سبيل إلى تقويمها، حزَّ في نفسه أن يُولَد الناس في هذه البلاد فلا يجدون مَنْ يُعَلَّمهم ويُرْشِدهم، فأراد أن يبقى، ولكن كيف يبقى؟ أيَدخل جُدَالة من جديد؟ إذًا سيقتلونه، فلو كان في مقتله صلاح لهم فأهلاً بالموت، لكن هيهات ثم هيهات!
عبد الله بن ياسين ونواة دولة المرابطين
جلس عبد الله بن ياسين يُفكِّر ويمعن النظر، فهداه ربُّه U، فما كان منه إلاَّ أن تعمَّق في الصحراء ناحية الجنوب بعيدًا في أعماق القارة الإفريقية، حتى وصل إلى جزيرة يُرَجَّح أنها تقع في منحنى نهر (النيجر)، على مقربة من مدينة تنبكتو، فمن هنا بدأ أمر المرابطين[4]، يصف ابن خلدون هذه الجزيرة بقوله: «يحيط بها النيل[5]، ضَحْضَاحًا[6] في الصيف، يخاض بالأقدام، وغمرًا[7] في الشتاء يُعْبَر بالزوارق»[8].
صنع عبد الله بن ياسين خيمة بسيطة، وكان من الطبيعي أن يكون في جُدَالة بعض الناس- وخاصَّة من الشباب- الذين تحرَّكت قلوبهم وفطرتهم السويَّة لهذا الدين، فحين علموا خبر شيخهم في مقرِّه البعيد هذا، نزلوا إليه من جنوب موريتانيا ولم يتجاوز عددهم في بادئ الأمر سبعة نفر من جدالة، على رأسهم الأمير يحيى بن إبراهيم الجدالي[9]، الذي ترك قومه ومكانته فيهم ونزل مع الفقيه، وتضيف بعض المصادر أن معهم اثنين من كبار قبيلة لمتونة؛ هم: يحيى بن عمر وأخوه أبو بكر[10]!
وفي خيمته وبصبر وأناة شديدين أخذ الشيخ عبد الله بن ياسين يُعَلِّمهم الإسلام كما أنزله الله U على نبيِّه محمد رسول الله r، وكيف أنَّ الإسلام نظام شامل متكامل، يُنَظِّم كل أمور الحياة.
تربية المرابطين
مع كثرة الخيام وازدياد العدد إلى الخمسين، فالمائة، فالمائة وخمسين، فالمائتين، أصبح من الصعب على الشيخ توصيل علمه إلى الجميع، فقسَّمهم إلى مجموعات صغيرة، وجعل على كلٍّ منها واحدًا من النابغين، وهو منهج رسول الله r حين كان يجلس r مع صحابته في مكة يُعَلِّمهم الإسلام، وفي بيعة العقبة الثانية حين قسم الاثنين والسبعين رجلاً من أهل المدينة المنورة إلى اثني عشر قسمًا، وجعل على كل قسم (خمسة نفر) منهم نقيبًا عليهم، ثم أرسلهم مرَّة أخرى إلى المدينة المنورة حتى قامت للمسلمين دولتهم.
وهكذا -أيضًا- كان منهج الشيخ عبد الله بن ياسين، حتى بلغ العدد في سنة (440هـ=1048م)، بعد أربعة أعوام فقط من بداية دعوته ونزوحه إلى الجزيرة إلى ألف نفس مسلمة، {نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [الصف: 13].
فبعد أن طُرد الرجل وأُوذي في الله وضُرب وهُدِّد بالقتل، إذا به ينزل بمفرده إلى أعماق الصحراء حتى شمال السنغال وحيدًا طريدًا شريدًا، ثم في زمن لم يتعدَّى أربع سنوات يتخرَّج من تحت يديه ألف رجل على أفضل ما يكون من فهم الإسلام وفقه الواقع.
يروي ابن أبي زرع فيصف هذه المرحلة من حياة المرابطين بقوله: «فدخلاها (الجزيرة) ودخل معهما سبعة نفر من كدالة، فابتنيا بها رابطة، وأقام بها مع أصحابه يعبدون الله تعالى مدة من ثلاثة أشهر، فتسامع الناس بأخبارهم، وأنهم يطلبون الجنة والنجاة من النار، فكثر الوارد عليهم والتوابون، فأخذ عبد الله بن ياسين يُقرئهم القرآن ويستميلهم إلى الآخرة، ويُرَغِّبهم في ثواب الله تعالى، ويُحَذِّرهم أليم عذابه، حتى تمكَّن حُبُّه منهم في قلوبهم، فلم تمر عليهم أيام حتى اجتمع له من تلاميذه نحو ألف رجل من أشراف صنهاجة، فسماهم المرابطين للزومهم رابطته، وأخذ هو يُعَلِّمهم الكتاب والسنة والوضوء والصلاة والزكاة، وما فرض الله عليهم من ذلك، فلما تفقهوا في ذلك وكثروا قام فيهم خطيبًا، فوعظهم وشَوَّقهم إلى الجنة، وخَوَّفهم من النار، وأمرهم بتقوى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأخبرهم بما في ذلك من ثواب الله تعالى وعظيم الأجر، ثم دعاهم إلى جهاد مَنْ خالفهم من قبائل صنهاجة، وقال لهم: يا معشر المرابطين؛ إنكم جمع كثير، وأنتم وجوه قبائلكم ورؤساء عشائركم، وقد أصلحكم الله تعالى وهداكم إلى صراطه المستقيم، فوجب عليكم أن تشكروا نعمته عليكم، وتأمروا بالمعروف، وتنهوا عن المنكر، وتجاهدوا في سبيل الله حقَّ جهاده. فقالوا: أيها الشيخ المبارك؛ مُرْنَا بما شئت تجدنا سامعين مطيعين، ولو أمرتنا بقتل آبائنا لفعلنا. فقال لهم: اخرجوا على بركة الله، وأنذروا قومكم، وخَوِّفُوهم عقاب الله، وأبلغوهم حجته، فإن تابوا ورجعوا إلى الحقِّ وأقلعوا عمَّا هم عليه فخلوا سبيلهم، وإن أَبَوْا من ذلك وتمادوا في غيهم ولجُّوا في طغيانهم، استعنَّا بالله تعالى عليهم، وجاهدناهم حتى يحكم الله بيننا، وهو خير الحاكمين. فسار كل رجل منهم إلى قومه وعشيرته، فوعظهم وأنذرهم ودعاهم إلى الإقلاع عمَّا هم بسبيله، فلم يكن منهم من يقبل ولا يرجع، فخرج إليهم عبد الله بن ياسين، فجمع أشياخ القبائل ورؤساءهم وقرأ عليهم حجة الله، ودعاهم إلى التوبة، وخَوَّفهم عقاب الله، فأقام يُحَذِّرهم سبعة أيام وهم في كل ذلك لا يلتفتون إلى قوله، ولا يزدادون إلا فسادًا، فلمَّا يئس منهم قال لأصحابه: قد أبلغنا الحجة وأنذرنا، وقد وجب علينا الآن جهادهم، فاغزوهم على بركة الله تعالى»[11].
معنى المرابطين
أصل كلمة الرباط هي ما تُربط به الدابَّة، ثم قيل لكل أهل ثغر يدفع عمَّنْ خلفه رباط، فكان الرباط هو ملازمة الجهاد[12]، وروى البخاري بسنده عن سهل بن سعدٍ الساعديِّ t أنَّ رسول الله r قال: «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا...» الحديث[13].
ولأن المرابطين أو المجاهدين كانوا يَتَّخِذُون خيامًا على الثغور يحمون فيها ثغور المسلمين، ويُجاهدون في سبيل الله؛ فقد تَسَمَّى الشيخ عبد الله بن ياسين ومَنْ معه ممن كانوا يُرابطون في خيام على نهر السنغال بجماعة المرابطين، وعُرفوا في التاريخ بهذا الاسم.
كما تُطْلِق عليهم بعض المصادر الملثَّمِينَ، فيُقال: أمير الملثمين، ودولة الملثمين. ويرجع سببُ هذه التسمية كما يذكر ابن خلّكان في (وفيات الأعيان) إلى أنهم: «قوم يتلثَّمُون ولا يكشفون وجوههم؛ فلذلك سَمَّوْهُم الملثَّمين، وذلك سُنَّة لهم يتوارثونها خلفًا عن سلفٍ، وسبب ذلك على ما قيل: أن (حِمْيَرَ) كانت تتلثَّم لشدَّة الحرِّ والبرد، يفعله الخواصُّ منهم، فكثر ذلك حتى صار يفعله عامَّتُهم. وقيل: كان سببه أن قومًا من أعدائهم كانوا يقصدون غفلتهم إذا غابوا عن بيوتهم، فيطرقون الحي، فيأخذون المال والحريم، فأشار عليهم بعض مشايخهم أن يبعثوا النساء في زيِّ الرجال إلى ناحية، ويقعدوا هم في البيوت ملثَّمين في زيِّ النساء، فإذا أتاهم العدوُّ ظنُّوهم النساء فيخرجون عليهم، ففعلوا ذلك، وثاروا عليهم بالسيوف فقتلوهم، فلزموا اللثام تبرُّكًا بما حصل لهم من الظفر بالعدوِّ»[14].
وقال ابن الأثير في سبب اللثام: وقيل كان سبب اللثام لهم أن طائفة من لمتونة خرجوا غائرين على عدوٍّ لهم، فخالفهم العدوُّ إلى بيوتهم، ولم يكن بها إلاَّ المشايخ والصبيان والنساء، فلمَّا تحقَّق المشايخ أنه العدوّ، أمروا النساء أن يلبسن ثياب الرجال ويتلثَّمن ويُضَيِّقْنَه حتى لا يُعْرَفْنَ، ويلبسن السلاح، ففعلن ذلك، وتقدَّم المشايخ والصبيان أمامهن، واستدار النساء بالبيوت، فلما أشرف العدوُّ؛ رأى جمعًا عظيمًا فظنَّه رجالاً، فقال: هؤلاء عند حرمهم يقاتلون عنهن قتال الموت والرأي أن نسوق النعم ونمضي، فإن اتبعونا قاتلناهم خارجًا عن حريمهم. فبينما هم في جمع النعم من المراعي إذ قد أقبل رجال الحي، فبقي العدوُّ بينهم وبين النساء، فقتلوا من العدوِّ فأكثروا، وكان من قتل النساء أكثر، فمن ذلك الوقت جعلوا اللثام سُنَّة يُلازمونه، فلا يُعرف الشيخ من الشاب، فلا يُزيلونه ليلاً ولا نهارًا، ومما قيل في اللثام: [الكامل]
قَوْمٌ لَهُمْ دَرْكُ الْعُلا فِي حِمْيَرٍ *** وَإِنِ انْتَمَوْا صِنْهَاجَةً فَهُمُ هُمُ
لَمَّا حَوَوْا إِحْرَازَ كُلِّ فَضِيلَةٍ *** غَلَبَ الْحَيَاءُ عَلَيْهِمُ فَتَلَثَّمُوا[15]
إنَّ مَنْ يقرأ عن الشيخ عبد الله بن ياسين والمرابطين الذين كانوا معه قراءة عابرة، يظنُّ أنهم جماعة من الناس اعتزلوا قومهم ليعبدوا الله بعيدًا عن ضوضاء العمران ومشاكل الناس فحسب، ولم يكن الأمر كذلك على الإطلاق؛ بل كان هذا الاعتزال جزءًا من خطة كبيرة، يتمُّ تنفيذها خطوة بعد خطوة، بفهم سليم وعمق في التفكير، ودقَّة في التخطيط، وبراعة في التنفيذ.
عندما وصل عدد المرابطين إلى ألف، بعثهم الشيخ ابن ياسين إلى أقوامهم لينذروهم، ويطلبوا إليهم الكف عن البدع والضلالات، واتباع أحكام الدين الصحيح، ففعلوا ما أُمروا به، ودعا كل قومه إلى الرشد والهدى ومجانبة التقاليد المنافية للدين، فلم يُصْغِ لهم أحد من أقوامهم، فخرج إليهم عبد الله بن ياسين بنفسه، واستدعى أشياخ القبائل ووعظهم، وحذَّرهم عقاب الله، ونصحهم باتباع أحكامه، فلم يلقَ منهم سوى الإعراض والتحدي، فعندئذٍ قرر عبد الله وصحبه إعلان الحرب على أولئك المخالفين[16].
وبالفعل بدءوا يستعدُّون لغزو البلاد والقبائل المحيطة بهم، وأرسلوا يُنذرون ويُعذرون، ثم بدأت غزواتهم بالفعل للقبائل والبلاد، ففتحوا الكثير منها، وأخضعوا القبائل المحيطة بهم، وتسامع بهم فقهاء بعض البلاد الأخرى، فأرسلوا إليهم ليُخَلِّصُوهم من حكامهم الطغاة.
يحيى بن عمر اللمتوني
استشهد أمير المرابطين يحيى بن إبراهيم الجدالي في إحدى الغزوات المرابطية، والأمير يحيى هو الرجل الذي بدأ به أمر المرابطين، وهو أحد السبعة الذين انعزلوا مع الشيخ ابن ياسين في الرباط بعد أن أُخرج من أراضي جدالة في أول الأمر، فعرض عبد الله بن ياسين الزعامة على جوهر الجدالي ولكن جوهرًا زهد فيها وأعرض عنها، فما كان من عبد الله بن ياسين إلا أن اتخذ قرارًا حكيمًا وبعيد النظر حقًّا، ألا وهو صرف الزعامة إلى يحيى بن عمر اللمتوني[17]، وقد كان هو وأخوه فقط من قبيلة لمتونة –ثاني القبائل الكبرى في المنطقة- مع السبعة من جدالة، الذين انحازوا إلى الرباط مع الشيخ ابن ياسين في أول الأمر.
وفي الحقيقة نحن لا نستبعد أن يكون الشيخ ابن ياسين قد اتفق مع جوهر الجدالي –زعيم جدالة بعد يحيى- على التنازل عن الرئاسة ليحيى بن عمر اللمتوني؛ لِمَا في تولِّيه الرئاسة على قوم غالبيتهم من جدالة[18] من معانٍ تربوية تقاوم ترسبات العصبيات القديمة، كذلك لما في هذا من مصلحة الدعوة وجذب اللمتونيين، فلقد كان يحيى وأبو بكر من زعماء لمتونة، لكنهما تركا هذه الزعامة لِما آمنا به من دعوة الشيخ عبد الله بن ياسين. ولقد كان لا بُدَّ من عرض الأمر أولاً على جدالي فيتركها لئلاَّ يظن الجداليين ظنًّا سيئًا بالطريقة التي جعلت لمتونيًّا زعيمًا عليهم؛ إن آثار التعصب القبلي والعائلي لا تزول في سنوات قليلة، وكان لا بُدَّ من مراعاتها في مثل هذه القرارات الفارقة، ولقد شهد التاريخ أن الشيخ ابن ياسين قد نجح بالفعل في هذا القرار الفارق، وصار يحيى بن عمر اللمتوني زعيمًا للمرابطين.
كان هذا في سنة (445هـ=1053م)، وبالفعل وبتأثير من هذا القرار وكذلك بازدياد نطاق الجهاد المرابطي، الذي تساقطت أمامه الإمارات والقبائل الصغيرة والمتناثرة، اتسعت دولة المرابطين ودخل في سلطانها الآلاف من الناس.
وفي مثال لحُسن الختام وبعد قليل من دخول قبيلة لَمْتُونة في جماعة المرابطين يستشهد زعيمهم الشيخ يحيى بن عمر اللمتوني في إحدى غزواتهم سنة (447هـ=1055م)، ثم يتولَّى من بعده أخوه الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني.
أبو بكر بن عمر اللمتوني
وقد دخل الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني بحماسة شديدة مع الشيخ عبد الله بن ياسين، وبدأ أمرهم يقوى وأعدادهم تزداد، وبدأ المرابطون يصلون إلى أماكن أوسع حول المنطقة التي كانوا فيها في شمال السنغال، فبدءوا يتوسعون حتى وصلت حدودهم من شمال السنغال إلى جنوب موريتانيا، وأدخلوا معهم جُدَالة، فأصبحت جُدَالة ولَمْتُونة -وهما القبيلتان الموجودتان في شمال السنغال وجنوب موريتانيا- جماعة واحدةً تمثِّل جماعة المرابطين.
ثم تنتهي قصة المؤسس الكبير والاسم الخالد الشيخ عبد الله بن ياسين باستشهاده في حرب برغواطة التي كانت –كما يقول المؤرخون- على غير ملة الإسلام، في سنة (451هـ=1059م) بعد أن أمضى أحد عشر عامًا من تربية الرجال على الجهاد.
[1] انظر: ابن أبي زرع: روض القرطاس، ص123، والسلاوي: الاستقصا، 2/7.
[2] الذهبي: سير أعلام النبلاء، 31/80.
[3] القاضي عياض: ترتيب المدارك، 2/64.
[4] محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس 3/302.
[5] المقصود هنا فرع من نهر النيجر، ولا علاقة له بالنيل الذي في مصر والسودان، وقد كان يُعرف هذا النهر في ذلك الوقت باسم النيل.
[6] الضحضاح: الماء القليل وقريب القعر يكون في الغدير وغيره. انظر: الجوهري: الصحاح، باب الحاء فصل الضاد 1/385، وابن منظور: لسان العرب، مادة ضحح 2/524، والمعجم الوسيط 1/534.
[7] الغَمْر: الماء الكثير الذي يعلو ويغطي الأماكن. انظر: الجوهري: الصحاح، باب الراء فصل الغين 2/772، وابن منظور: لسان العرب، مادة غمر 5/29، والمعجم الوسيط 2/661.
[8] ابن خلدون: تاريخ ابن خلدون، 6/183
[9] ابن أبي زرع: روض القرطاس، ص125، وابن الخطيب: أعمال الأعلام، القسم الثالث، ص227، والسلاوي: الاستقصا، 2/8.
[10] ابن خلدون: تاريخ ابن خلدون، 6/183.
[11] ابن أبي زرع: روض القرطاس، ص125، وما بعدها، والسلاوي: الاستقصا 2/8.
[12] انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة ربط 7/302.
[13] البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب فضل رباط يوم في سبيل الله 2735، والترمذي 1664، وأحمد 22923، والبيهقي 17665.
[14] ابن خلكان: وفيات الأعيان، 7/129.
[15] ابن الأثير: الكامل، 8/331، والبيتان نُسِبَا لأبي محمد بن حامد الكاتب، انظر: السلاوي: الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى 2/4.
[16] محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس 3/302، 303.
[17] ابن الأثير: الكامل 8/328.
[18] سبق أن ذكرنا أن لمتونة وجدالة كانتا القبيلتين القويتين والكبريين في هذه المنطقة من المغرب الأقصى، ويمكن تقريب الصورة لدى القارئ باستحضاره ما كان بين الأوس والخزرج قبل الإسلام.
موقع قصة الاسلام- الدكتور راغب السرجاني
التعليقات