إنني علي مقربة من السأم، هذا النوع من الملل صار يلازمني في كل مرة أقضي شهوراً كثيراً في مكاناً أعتاد الوجود فيه لا شعوريّاً، لا أستطيع عموماً الاستقرار في مكاناً واحداً مدي الحياة، ولدت هكذا أعشق السفر و التنقل في الأماكن،
ليالي الجمعات يداهمنى فيها الحنين بشدة، الي ذاك الوادي البعيد، و بالأخص عند المغيب أسمع صوت ثقل الرمل المتزامن مع صوت حذائي،
رافعاً حبات الرمل على ظهر قميصي، و النظرة الحزينة المعلقة في مدي امتداد ذاك الوادي، لبرهة تأتيني أخيلة بأني سأموت هنا بعيداً عن أهلي،
ذاك الإحساس ظل يحاصرني كلما ذهبت الي ذاك الوادي متجولاً فيه وحيداً أو برفقة أحد، في وادي مكتظ بالأشخاص الذين لا اعرفهم تماماً، ما أغرب من أن تتولد في مكان تكون فيه الغريب، و الغريب فيه هو سيد الأماكن،
نظرات الناس لي بغرابة، من أين أتي هذا الكائن الذي لا يشبهنا في تفاصيله،
انطوائي عن ذاتي، و مسايرة الناس في رد الاسئلة عندما يهتفون بأسم أخي الذي يكبرني بفاصل سنوات قليلة.
مع ذلك أشعر بالانتماء لغرفتي الصغيرة، و ساحة المنزل الرئيسية، ذاك الدكان الذي كافحت فيه طويلاً، الغابة العظيمة الممتدة علي أفق القلوب اللطيفة، نحت وشم أحلامي في إحدى لحاء أشجار السنط،
رسمت قلوباً كثيراً في الرمال المشبعة بظل الجبل الذي أراه بعيداً و لم أصله يوماً، بائع الجرائد الذي يجلس عند ناصية الشارع في السوق، المقاهي القديمة، طرقات المدارس تلك التي تجولت فيها عندما كنت طالباً لا يعي ما معني متعة التغيب،
خطبة الجمعة، و المحاضرات الدينية الليلية، مشهد خروج المسلمين بعد الصلاة، صوت مصطفي سيد أحمد في صالون الحلاقة،
المكتبات التقليدية، و أقلام الرصاص الرفيعة، و كتب قصائد العشاق،
ملامح الاشرطة الموسيقية، صور جدران غرفتي،
كرسي البلاستيك المريح للجلوس في لحظة شرود الروح، الميادين الصغيرة تلك التي لعبت فيها الكورة مع اصدقاء الطفولة، الأماكن الغريبة الخالية من ضوضاء البشر ،
أحس ذاتي مغلفاً بالحنين لا يهمني سوي العودة الي المنزل متناسيا حتي وحدتي في الطريق، أسابق خطواتي لأصل مطمئن البال، حتي فكرة الموت لا يخيفني بعدها.
لكم تتشابه الحنين دوماً في المسافات و الأيام.