من منا لم يتمنى ألا يبالي أبدًا؟ و يصبح متبلد المشاعر و الطباع لا يهتم ولا يكترث إلى أي شيءٍ يطرأ و يحدث له سواء كان حزنا أو فرحًا (مِن أثر موْقفًا مَا أيًّا كان) من منا لم يأتِ منهكًا في يومًا و صاح متمنيًا بدون أن يخرج من فمه صوتًا بأن يريد أن لا يبالي ولا يهتم أبدًا، بعد آلاف الأحداث المتكررة التي يقابلها بنفس درجة الاهتمام بل و ربما أكثر من الأول، ايضا الأفكار و المواضيع المستهلكة التي تأتيه بنفس النمط بين الحين و الآخر مع إختلاف الصور، حتى شعوره المتكرر و المعتاد مازال محط اهتماما حادا له يحاصره، و لم يتغير ردة فعله أو مقام مبالاته حينما فكر للمرة التاسعة و العشرين بنسبة درجاته بعد أن انتهى من امتحانه الدراسي الأسبوع الماضي، أما بالنسبة لحبيبته البلهاء الطائشة البدينة ذات الشعر الأحمر و التنورة الوردية التي تثير استفزازه يومين على مدار الأسبوع لم يمنع نفسه بأن يظل يعيرها اهتمامه و تأثُّره بها، و المواقف و الندوب و المآسي و المعاناة و البؤس الذي أُبتلى به وعاش في طياته و انغمس فيه حينما كان طفلاً صغيراً مرفوع عنه القلم لم يزل مصدر اهتمامه و أكتراثه بكل ما وقع له.

و من بين الفريق الذي يتمنى و يتوق و يبتغي أن يصبح لا يبالي، ولا يتأثر بشيءٍ هناك فريقا آخر أرهقته اللامبالاة و أصبح مثل حجرًا من أحجار الأهرامات الثلاثة الجيرية آلتي مرت عليها العصور و جالت، شخص استيقظ من النوم بعد ساعات طويلة من النوم أشبه بالخدر و بعد دقات ورنات عديدة من المنبة فتح عينيه و أخذ هاتفه الذكي يتصفح ويغوص داخل مواقع التواصل الاجتماعي ما بين هذا التطبيق وذاك الموقع الذي يشاهد من خلاله على مقاطع لا حصر لها، نظر إلى الساعة المعلقة على الحائط ووجد إنه تأخر عن ذهابه إلى عملة ساعة ونصف، لم يكتفي بجرعة اللاكتراث هذه، فتح هاتفه مرة أخرى على "فيسبوك" و شارك منشورا يحتوي على صورة كتاب "فن اللامبالاة" The Subtle Art of Not Giving a F*ck, للكاتب Mark Manson و كتب أعلاه وملامحه الباردة تبتسم "قرأت كتاب فن اللامبالاة اليوم ولم أبالي بميعاد عملي" ها ها ها، ذهب إلى عمله بكل تأكيد متأخراً، لقي حتفه وأصيب بعدة كلمات من و عند مديره و لم يكتفي مديره بذلك، خصم من راتبه الشهري يومان و هو في أشد الحاجة إلى المال عوضا عن أنه ينضبط و يلتزم بمواعيد عمله لكي يسدد ديونه و يدفع إيجار بيته و فواتيره الشخصية و يدخر كي يتزوج بحبيبته الحسناء، لن يفعل فإنه لا يبالي بأموره حتى النخاع، يمرض و يظهر عليه أعراض جانبية نتيجة مرضه ولا يذهب إلى الطبيب، يتهمونه الناس بما ليس فيه و يصمت و يظنون فيه الظنون ثم يصمت، يحزن منه أقرب الناس إليه و يعاتبونه على قلة مشاعره تجاههم و لا يحدثهم عن الأسباب، تأتيه مشكلات جسيمة في حياته متأصلة تسبب له عائق أمام تطوره الشخصي و الاجتماعي و المهني ولا يهتم إلا بأن يضعها على محمل التسويف و المماطلة، يتعذب و يعاني بدون أن يشعر من عادات و سلوكيات خاطئة يدمنها و يكررها تجره وراء عادات و سلوكيات بكميات كبيرة من الأخطاء ولا يحرك ساكنا إلا بابتسامة عريضة من وجه هذا الفقير و تقمص شخصية الكاتب العبثي الأمريكي من أصل ألماني تشارلز بوكوفسكي اللاكتراثي، يُدخل نفسه في دائرة اللاكتراث واللاهتمام و لا يجدد و لا يتغير بل يقنع نفسه بأنه محقاً فيما يفعل وأنه على الصواب ما دمت صحته النفسية بخير، و لكن هناك ثمة أشياء تراوده بأنه هناك شيئا غير صحيح.

اللامبالاة، هي حالة تأتي في أذهان الكثيرين بأنهم إذ امتلكوها و أصبحت عادة و نهج حياة بالنسبة لهم سيكونون على ما يرام و سيصبحون أكثر قدرة على العيش بشكل جيد بل بشكل ممتاز و مختلف، تخيل معي إنك شخص تهتم كثيرا بجميع الأمور و سفاسفها و أصبحت لا تبالي بجميع الأشياء، هل ستصبح على خير؟ بلا شك أن الراحة جيدة، و لكن إذا استمرت و ظلت أصبحت بعد أن كانت دواء للجهد داء يتعب و يرهق، كذلك الأمر للامبالاة إن أصبحت شخصية لا تهتم بالكثير بعد أن كنت العكس، سترتاح ذهنيا و ستشعر أنك في قمة صفو بالك و لا يزاحمك أي شيء من تلك الأفكار التي كانت تصيبك و تجعلك تهتم مثل كاميرة رقمية تراقب الخارج و الداخل، و لكن للحكاية قصة أخرى، إن أصبحت هكذا على مدار حياتك و عمرك في كل الأشياء و المسائل و القضايا و في حياتك العاطفية و العائلية و المهنية و مشاعرك لن تكون إنسانا يشعر، لن تكون إنسانا عنده حياة يكون فيها بنفسه، بل ستكون شبه إنسان برأس و جسم و صوت خال من الحياة، ستأتيك الأفعال و لن تكون رد فعل ينجرف في الأشياء التي ينبغي عليك أن تنجرف و تبالي بها، كما قال بيجوفيتش عندما خير بين (الحزن) وبين أن يتعايش بمشاعره و وجدانه في كتابه هروبي إلى الحرية "بين الحزن واللامبالاة ... سأختار الحزن" أي لأن الإنسان في الأصل مجموعة مشاعر إن دفنتها كلياً ازلت عنك نور الحياة وانطفأت عنك تجارب و خبرات الحياة،

مبالاة:- و الشخص الذي يبالي و يتأثر و يحسب الأرقام والحروف و يتذكر حينما ضربه والده و عندما استيقظ من نومه و وجد نفسه قد باَل على نفسه عندما ضربه زملاؤه في المدرسة لأنه كان بدينا ويرتدي نظارة تغطي وجهه بالكامل حينها، لم ينسى و اثر هذا مازال في خاطره، ذهب إلى أطباء و متخصصين نفسيين يشكو لهم حاله على ما فات و على ما هو فيه حتى الآن، يكتبون له الأدوية، ومازل ثقوب التأثر و اللامبالاة موجودة، يفكر و يفكر ويدقق في اتفه الأشياء خشية الحذر بأن ما حدث له يحدث مرة أخرى، يفكر في ردات فعل الآخر ولا ينتبه لنفسه و شعوره هو، يفكر في هما له للمرة للثلاثين كما اول مرة يفكر فيها، يغرق في تيه مبالاته و لا يجد حل إلا بتناول الكحول والمخدرات كمسكن لإهتمامته.

يولد اللامبالاة بعد تجارب عديدة من مواقف و أحداث و صراعات مختلفة من الحب و الكره و المنافسة و الأخطاء، و يبقى الاهتمام عند توقف العقل عن مراجعة وتفنيد حقيقية قيمة الشيء الذي يشغل باله، يقول مارك مانسون "إذا كنت غاضب أو حزينًا فهذا يعني أنك لاتزال مباليًا بشيء من الأشياء. يعني هذا أنه لا يزال هناك شيء له أهميته عندك، ويعني هذا أنك لا تزال تملك أملاً، فعليك يا من تعاني من فرط الاهتمام أن توجه اهتمامك على شيئا ذو قيمة ينفعك وله أثر إيجابي في حياتك و نفسك ويزيدك خبرة، و إياك أن تكون جاف الشخصية لا تهتم بشيء من مشاعرك أو تنتبه لهذا الجانب لأنه إذا أخفيت مشاعرك فستظهر في أوقات أخرى لا إراديا في موقف عادي بشكل شرس مثل ما قال عالم النفس النمساوي سيجموند فرويد: "المشاعر المكتومة لا تموت أبدًا، إنها مدفونة وهي على قيد الحياة، وستظهر لاحقًا بطرقٍ بشعة"

المسألة الكبرى الهامة في حديثنا هي، (إدارة الإهتمامات) (و تسيس اللامبالاة) أدرس الوضع الذي أمامك إن وجدته يهمك و هاما في حياتك فسلط ضوء اهتمامك عليه، و لكن انتبه و اعلم، مهما كان هذا الوضع مهما، إياك ثم اياك أن تضخم الموضوع الى درجة إن أخفقت فيه ذهبت أنت وهو في مهب الريح، لا شيء يستحق أن تهلك نفسك و تشغل ذهنك إلى درجة الموت أيا كان نوعه و شكله، و لا تخطو نحو خط اللامبالاة بعد اول خفقان، بل حاول، و حاول، وإن فلح أمرا ما معك فذلك جيد، وإن لم يحدث فانتهى الأمر وانسى ولا تسترسل في شيئا ذهب و لم يعد له أي شيئا لحله، لا تجعل من نفسك آلة لا تتوقف عن التفكير أو الاهتمام بل خذ قسطك من الراحة في كل شيء، وغوص في الأمر الذي يشغلك و ادرسه جيدا و اجعل لك من هذا الأمر دراية تامة، ثم قرر، هى هذا الشيء يستحق أن اهتم به؟ وخذها مني قاعدة، لا شيء يستحق الاهتمام الكثير المهلك الجاد سوى نفسك؛ وأقصد هنا "لا شيء يستحق الاهتمام الكثير المهلك الجاد سوى نفسك" أن تبذل قصارى جهدك في عملك و درتستك وأشيائك التي تحبه و أن تعطي لكل ذي حق حقه أي تعطي لكل شيئا في حياتك جرعته التي تليق به من الإهتمام، و يقولون لا إفراط ولا تفريط، فكذلك أنت لا تفرط في حياتك بالاهتمام الزائد المؤدي إلى الانعزال في عملك و تطورك و مشاريعك على حساب الجانب العاطفي و العائلي و الأسري، ووجه الاهتمام الرشيد اللامهووس في الوقت المناسب الذي يريحك والذي تعتقد أن اهتمامك سيجني نفعا، ووجه لامبالاتك في الشيء الذي يأتي عليك بالسلب و الضرر بعد عدة محاولات منك، و أدعوك الآن بعد أن تنتهي من القراءة أن تذهب بعيدا عن اهلك وتكون منفردا و تعيد تدوير الاشياء المهمة أو التي تظن أنها مهمة في حياتك وكما قلت لك (تراجعها مراجعة تامة) و فكر، هل هذا الاهتمام في هذا الشيء يعود علي بالنفع أم بأشغال عقلي فقط دون نفع أو حل إن كانت مشكلة في حياتك، و تسلط ضوء اهتمامك على الأشياء الهامة التي ستجني ثمارها الان أو بعد حين في حياتك، مثل إشكالية تركتها في الماضي لم تفك عقدتها إلى الآن أو تساؤلات و أسئلة تطرأ على ذهنك و لم تجد لها إجابة، أو تنمية مهاراتك و النظر إلى سلبياتك... الخ آلتي خنقتها بحبل المماطلة و التسويف و تبدلها بالأشياء التي تكتشف أنها لا تعني لك شيئا سوى الوهم النابع عن جهلك بقلة وانعدام قيمتها عوضا عن استنزاف مشاعرك و طاقتك في اللاشيء، وكثيرا من الناس يظنون بأن اللامبالاة هي نقيض الإهتمام تماما و أنها تجرد من الاعتناء و الاكتراث، الفكرة ليست هكذا، الفكرة تضمن أن تصوب الحالتين في المكان المناسب و ستكون لحظتها عند الأمر الصحيح و عند مربط الفطنة و الرشاد، "تأتي المرونة والسعادة والحريّة من معرفة ما يجب الاهتمام به، والأهم من هذا أنها تأتي من معرفة ما ينبغي عدم الاهتمام به."-مارك مانسون فن اللامبالاة" يكمن الأمر في تسيير و تدبير اهتماماتك و لا مبالاتك، و أنبه أن العيش في حالة من الحالتان المذكورة سالفا في موضوعنا بعدم وهي يخلق عقلية بها خلل وأن الحل و الإدارة الوسط هي الأصل، شيئا من المبالاة مع شيئا من اللامبالاة و الاهتمام ينتجان قرار سليم و عقلية حكيمة قادرة على توجيه و حسم مشاعرها في السياق المستقيم و لا تُساق بعشوائية اعتباطية و بلا شك أن كلاهما لهما إيجابيات و سلبيات، و لكن المغزى في الأمر كيفية استعمالهم على الوجه الصحيح، و يأتي السؤال، إن كنت لا اكترث ولا اهتم ولا أبالي بحياتي ماذا أفعل، "و العكس" إن كنت أهتم بأدق أدق التفاصيل و بسفاسف الأمور و الاشياء التي لن تزيدني إلا حيرة وتيه ماذا افعل؟

بادئ ذي بدء إذا قررت تعديل و تغيير أو إضافة سمة في شخصيتك ستشعر بالألم! لا تستعجب أو تتفاجأ في أثناء رحلة تطوير ذاتك بهذا، فإنك في حالة أشبه بزرع أو استئصال عضوا حساسا من جسدك و أكثر من هذا، فإن النفس البشرية إذا اعتادت أي شيءٍ وأردت أنت أن تقلب الآية و أن تزيل الشيء المعتادة عليه نفسك منك فسيحدث أعراض جانبية لما فعلت من زرع (تجديد) أو استئصال (تغيير) فعليك أن تبذل قصارى جهدك و لا تستسلم لهوى و كسل نفسك في سبيل إصلاحك، فإن طبيعة النفس كسولة تميل للقعود و الراحة وتدفع الخير بالشر، وإذا حَصَلَتْ معلومات الدنيا و قرأت بدون أن تعمل به فلن ينفعك عملك هذا شيئا.

إذا تعرضت من قبل إلى عدة صدمات و خذلانات عاطفية/ مالية/ إجتماعية/ مهنية/ عائلية...إلخ. أدت بك إلى أن تشعر بفطور تجاه تلك الأشياء بإنعدامية تامة و تبلد و جمود نفسي و شعوري بالغ جعلك تزهد و تتقطع عواطفك إلى درجة اللامبالاة بها تماما و نسيت بأن هذه الأشياء من جماليات الحياة و نسائم الروح و سحر الدنيا، فأنت يا عزيز قد وقعت في فخ الـ (Comfort Zone) (منقطة الراحة) فأنت لا تبالي بهذه الأشياء خوفا على نفسك من إعادة أي مأساة، وهذا خطأ، جميع الأشياء بها جانب سلبي و إيجابي، جانب قاس و طيب، فأنت إن تغامر و تجرب و تتحمل فلن تعيش حياة حقيقية، والجيد إن تعرضت لنفس الإحساس السيء مرة أخرى فلن تشعر بنفس الألم مرة أخرى، بل ستقوى و تعتاد عليه إلى حد إنك ستتجاوزه، و كما ذكرت في الأعلى، بعض الأشخاص يفعلون و يجربون و يغيرون من طريقة تفكيرهم أمام الأشياء التي تعيقهم بأن يعيشوا بمشاعرهم، ولكن شيئا ما يقابلهم ألا وهو (الأفكار) التي هي بمثابة مسمار مكبل أيديهم وأرجلهم وعقولهم عن أي شيءٍ يريدون تغييره أو إضافته، ستقول لك بعض هذه الأفكار اللعينة... أنك لن تتغير.. ليست شخصيتك... أنت على خطأ... و الكثير من هذا، فأريدك يا صديقي أن تقطع الوصل بيك و بين الاسترسال مع هذه الأفكار اللعينة وإن اشتدت عليك أثرها و قوتها، كما أيضا لا تهول من حجم اهتمامك في الشيء الذي أنت كنت تاركه وراء ظهرك لئيلا أن تشعر بعدم الكفاية فيه و يتحول الأمر إلى وسواس قهري، اهتم بالشيء بروح بالقدر البسيط المناسب و لا تبسط كل البسط فيه و كن على بينة من امرك، إن وجدت أن الأمر لا يستلزم اهتمامك فإعزف و توقف عن الاهتمام به فورا و لا تغامر باهتمامك و تأثرك.

أما إذا كنت تبالي إلى درجة الوسْوسة، فهنالك نوعان من الإهتمامات نوعاً مذموم ونوعا محمود، النوع الذي تعمل من أجله بكل حب و قبول و أريحية و بحرية تامة فهذا أمرا محمود، و الأمر الذي أنت في طياته الداعي بأنه مرتبط بحياتك كليا و تعتقد إنه إذا لم يفلح معك وأخفق منك ستنتهي و ستكون فاشلا فهذا اهتماما بالغا مذموم، فماذا تفعل؟ تقطع تركيزك القوي عن هذا الشيء تماما وليس الكُلي، و تخاطب و تذكر نفسك و عقلك بأن هذا الشيء لا يستلزم كل هذا العناء التفكيري و التركيزي، أجتهد وواصل تركيزك بكل سلاسة مع عدم تركه يتحول هم عليك و لا تجعل أمرا واحدا يجعلك تخطأ في حق نفسك و عقلك و تصدق بأنه سيحدد مستقبلك و نجاحك، و أنبه! إن تكالبت أفكار مضادة فحاربها باللامبالاة التامة و خذهة عدوا لأن هذا (الوقت المناسب الذي تسعمل سلاح اللامبالاة في الوقت الذي تحتاجه، و ارمي المبالاة قليلا حتى تذهب، وإن راودك إحساساً أكثر من عدة مرات و ركزت فيه و عملت على حله و إصلاحه بالاساليب و الحلول الخاصة القادرة على تعديله و شعرت بأنك على ما يرام و الوضع في تحسن ثم جائتك نفس الأفكار السلبية فلا تبالي واعتبرها مجرد ثرثرة أطفال بجانبك و إن كنت تعرضت إلى إساءة في الماضي-في طفولتك- جعلتك ترهب و تحذر الناس فقم بالتجرد من هذه الأفكار حتى لو تكالبت عليك وأحاطت بك وظنيت كل الظنون أنه لا فرار من وضعك الحالي، وقم بالتعايش و الخوض بنفسك مع الناس، ستكون التجربة غير مألوفة من نوعها عليك، و ستخاف وستشعر بالرهبة، ولكن مع الاستمرارية و التعود ستكتسب مناعة ضد ما عانيت، و ستكتسب لا مبالاة تجاه ما كنت فيه من شعور و أفكار، و احذر! في أثناء رحلتك هذه ستقابل أناس مثل الذباب كلماتهم مزعجة و لا ينفعوك بشيءٍ سوى الأذى إن سمحت لهم بدخول كلماتهم إلى داخلك وأصغيت و باليت بأقوالهم، و هناك أيضا إشكالية شائعة جدا، ومنها أن الإنسان الذي يبدأ يكابد الحياة و يتسلح بسلاح اللامبالاة ضد أولئك السلبيين يعتقد أن عدم اهتمامه و عدم إصغائه فهو الحل الأمثل الأساسي الوحيد للراحة منهم في أي وقت و أي مكان متواجدين فيه، بلا شك أن اللامبالاة ضد الكلام السلبي أمرا صحيح، و لكن يتطلب الأمر احيانا أن ترد و تستعمل أدواتك و أستراتيجيك الحادة معهم بحديثك تارة و أفعالك تارة و ردود أفعالك الصارمة تارة كي يكفو عنك اذاهم ومن ثم ستكون ذلك الشخص الذي تعامل مع شعوره ومميزاته بحكمة، وقم بتوزيع اهتمامك في كل جانب باعتدال، وتذكر لا تفرط في سكب الاهتمام وتجنب على إرهاق نفسك واستهلاك طاقتك عبر أمورا كانت في الأصل تحتاج منك إلى قدرا بسيطا من الإهتمام بدون مبالغة، لا تجري وراء خيوط الأوهام وترهق قواك و طاقتك في أي أمر يصحبه وهم إلا أن يكون معك نقيضا صحيحا لهذه الاضغاث، واتبع هذا النمط في جميع امور حياتك حتى في طريقة تفكيرك، واجتهد ساعياً على إنشاء بيئة بها مقومات النجاح و الأعمال المفيد، مثل القراءة و الاستماع و العمل تشغلك بها عن أي اهتمامات سخيفة ليست لها نهاية، و اخيرا يا صديقي لا تهتم إلا بكل ما هو مهم، "وقد روى عن الحسن البصرى رحمه الله أنه قال: من علامة إعراض الله تعالى عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه" و لا تبالي إلا بكل ماهو غير مهم لك. و ها هنا قد انتهيت من مقالتي الاولى لي و أود أن تكون كلماتي دسمة و مفيدة لكم، وان تتقبلوها من باب البداية و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.