قيل إن الطفل يحب اكتناز الاشياء ولا يرغب بالتنازل عن اشيائه أبداً . إن أفضل شي اكتنزته و أعتز به إلى الآن هم اصدقاء ذلك الوقت البريء الذي لا تفارق شريط صوره أمامي كلما أتت لحظة هدوء أو هجعة قصيرة على كرسي الذكريات . إن أول ما وعيته من مراتع الصبا وأيام الطفولة .... كان صوت ثلة من أقراني وهم يدرسون في أول مركز صيفي لنا وذلك قبل الصف دخولي المدرسة الإبتدائية حيث كانت تقام مراكز تعليم داخل المساجد لتعليم الاطفال بعض من سور القران الكريم و الأحاديث النبوية الشريفة وحروف الهجاء فجلست بجانبهم وهم يتحدثون ويلبعون ويرسمون على الأوراق بعض أشكال الحروف .... يأتي الأستاذ ... هدووووء !! الجميع يجلس بصمت ثم يبدأ بكتابة بغض الآيات الكريمة على السبورة ثم يقرأها والطلاب يقرؤون معه وكنت على حسب الحال جديداً ساذجاً لا أعلم شي مما يجري بقيت أتحدث إلى أحدهم انا : هاي انت هو : نعم انا : ماذا تفعل هو : اقرأ أيضاً أو ستعاقب من الأستاذ ولسوء حظي رآني الأستاذ لا اقرء فأقبل علي بعصاء كأنه جلاد مقبل على متهم _ لماذا لا تقرأ ؟! _ فلم يملهني لأُجيبه قائلاً : مبتسماً بلطف _ افتح يدك _ خُدعت بقناع ابتسامته _ فتحت يدي بكل براءة ظننت أنه سيضرب بلطف... فهوى بها كالسوط كانت مؤلمة جداً ...أول ضربة اتلقاها من معلم ...و مازلت أتذكرها جيداً وانا في العقد الثالث من عمري .... ولأني كنت طفلاً لا يعقل من أمور العلم شيئاً ظللت أتكلم بالمعلم وانزل عليه الشتائم حتى أتى أخي الكبير و أخذني المنزل ... وبعد ذلك لم اذهب إلى ذلك المكان أبداً حتى العام الذي دخلت في المدرسه الابتدائيه وحان وقت العطله الصيفيه مرة أخرى . فذهبت إلى ذلك المسجد ولم أرى ذلك المدرس مرة أخرى فرحت كثيراً لأني شعرت أن عقبة أمامي قد ذهبت ... زمن جميل آخر يتكرر بدأت الُّقيَا بأصدقاء الطفولة واحداً واحداً في ذلك العالم الجديد مُكوناً بذلك أجمل صداقه نظمت من تآلف أرواح بريئة دُريَّةٍ استمرت حتى اليوم كان بين ثنايا هذه الدورة الزمنيه المشبعة بالمشاعر الكثيرة بين تآلف و تآخي وحزن وسرور وضحك وبكاء وجتماع وفرقه لا ينتهي موسم الصيف في عام حتى تتوق النفوس إلى الموسم القادم هكذا مرت اثنا عشر عاماً كُنت فيها مرة طالباً صغيراً ألحق بعد معلمي ... ومرة أستاذاً يلحق بي طلابي .... إن سنن الحياة لا تنتظر أحد ولا يبقى شيء في هذه الدنيا على حاله ولا يبقى منها سوى خيال في الذاكرة يصبغها العقل بألوان متعددة تختلف هذه الألوان من شخص لآخر حسب وسْمِهِ لها .... ايامٌ كالكنوز بالنسبة لي وخاصة حينما كنت طالباً ... بها التحقت بتحفيظ القرآن الكريم منذ نعومة اظفاري . صحبني بها تلك الأرواح الجميله منهم عبدالرحيم و معين وصدام و عبدالمجيد و محمد وأحمد ....وأصدقاء كُثُر سَفَّهُم رمل النسيان ومازلت انقب عنهم حتى اليوم .فُجِعتُ بنفراط ثلاث درر منهم أما أما الدرة الأولى فمعين فقد سبقنا الى رب العالمين عن عمرٍ صغير لم يتجاوز الثاني عشر من عمره رحمه الله .... كانت وفاته صدمة لكل من كان معه أو حوله من شباب ذلك المركز وإني الأذكر معلمي حفظه الله كتب على جانب إسمه في الكشف في موضع السورة التي تحفظ . انتقل إلى الدار الآخرة . كانت من أكبر اللحظات تأثيراً في حياتي ... وأما الدرة الثانيه فأحمد رحمه الله اختاره رب العالمين إلى جواره أحسبه والله حسيبه من خيرة من قابلت من الشباب كان حافظا لكتاب الله ذا خُلُقٍ وأدب جَم أما الدرة الثالثة فصديقي العزيز توأم الروح وصديق الطفولة المفضل على الإطلاق صدام رحمه الله كم اوجعني رحيله ولم أراه كان نعم الصديق في المسجد والمدرسة مازلت أذكر اوقات اللعب أو زياراتي له في المنزل أو زيارته لي في المنزل كانت أجمل أيام الطفولة قضيتها معه ... ثم فرقتنا الأيام و الاعمال وأمور الحياة فذهب معا أهله ووالديه إلى أرض الحرمين الشريفين بقينا على تواصل ولكن خبر وفاته نزلت علي كالصاعقة أصبحت هذه الدنيا في نظري ساقطه أشد السقوط والهوان كم فرقت بين الاحبه و فأوحلت المشاعر وكدرت النفوس ... أسأل الله أن يرحمه وأن يتقبله في الشهداء وجميع موتى المسلمين .... هذه الدرر الراحلة التي لن تنسى أبداً فصاحب الطيب يبقى عبقه وأثر طيبه حتى وإن رحل وهم كذلك رحلت أرواحهم لكن هم أحيا في القلوب وفي النفوس ... حتى يأتي الموت ويصحبنا معهم