النضوج...

بالفعل من أروع محطات الحياة الاستقرار النفسي الذي يحصل عليه الشخص عند الاستغناء عن أي مصدر ضوضاء لقلبه قبل عقله، فالنضج لا يقتصر على تعلم أشياء جديدة في الحياة لكنه يعتبر إعادة تقييم الأشياء التي تعلمناها وترتيبها بالشكل الصحيح، فهنا حب أقل وهناك اهتمام أكثر ونفقد الأمل في هذا ونقويه في ذاك، فأبلغ مرتبة في النضج يمكننا الوصول إليها هي وضع الأشياء والأشخاص في أحجامهم الطبيعية، والأهم من ذلك عدم المبالاة، لأن درجة النضج تختلف من شخص لآخر حسب تقبل الشخص لهذا المنظور وانفتاحه على تقبل منظورات الآخرين.

بغض النظر عن السن أو المرحلة العمرية، فالحياة بكاملها أصبحت تشكل ضوضاء داخل عقولنا ونفوسنا، لذلك من الجيد الابتعاد بعض الوقت حتى نفرغ نفوسنا مما يثقلها.

جربت مرة الانعزال بشكل كامل، فأغلقت هاتفي بكل ما فيه وتركته لمدة ٣ أيام وقررت العيش وحدي بعض الوقت لأتخلص من الضوضاء المحيطة بي، ولكم تمنين أن تستمر هذه الأيام الثلاثة طوال عمري.

ألا يسمى هذا بالبرود العاطفي؟ وكل هذه التصرفات تندرج تحت مصطلع العزلة؟ الرسائل المتأخرة حلها هو أن تعاتب من يرد عليك بهذه الطريقة، والفضول من الطبيعة البشرية ولكن لها حدود بالطبع. رحيل شخص من حياتك يعني أن أحدكم مخطئ وبالتالي الموضوع يلزم مراجعة الذات.

لا أظن النضوج العمري يحقق كلّ ذلك.. وإنما بالنضوج الفكري يصل الإنسان لمرحلة الهدوء وتبسيط كلّ التعقيدات في حياته.

النضوج هو حالة مستمرة يحياها الإنسان وهي في تطور دائم.

فقد تبدأ بالتسامح وتصل لاجبار العقل على النسيان أو التجاهل لأشياء قد تصنف مهمة في حياتنا.

هي مفيدة طبعا للنفس البشرية وعقولنا كذلك.

لكن في رأيك أليس لهذه المرحلة نهاية؟ ام أنها في تطور دائم حتى الموت؟

يتزامن النضج دائما مع كثرة الشعور بالفقد وزوال اللمعة الزائفة للكثير من الأمور البراقة التي كنا نسعى إليها ومع الإدراك بضرورة ترتيب أولويات الحياة ويأتي هذا في أي سن وكلما جاء باكراً دل على صعوبة ما يلاقيه الشخص من مصاعب في حياته.

يتزامن النضج أيضاً مع التخلي والترك والحفاظ فقط على القليل من الأشخاص والاهتمامات.