جسد المدنية منهكٌ بدأ بالإستسلامِ لزمجرة الشمس ،في حين أن أبواق السيارات ومحركاتها مستمران في عزفٍ أهوج لمقطوعةٍ في الأساس مجنونة ، ففي هذه الساعة يمضغ الأغلب التعب والجوع برتابةٍ يومية ،ومنهم أنا وقد نهتني أصواتٌ خجولة منبعثة من معدتي عن متابعة العمل حتى قادتني نحو موقف الحافلات .

فيما كان الإعياء منتصبٌ على محياي يشد حاجباي إلى الأسفل متذمراً من تلك الحافلة التي لم تتكرم بمجيئها بعد ،حتى قاطعهُ وقع خطواتٍ صاخبة ، لرجلٍ يأتي نحوي من على بعد سبعة أعوامٍ ، يعجنه السمار بلامبالاة وتكاد لحيتهُ وشعره يكفران بالليلِ من سوادهما ،وتشق ملامحه الحِدة والصرامة برعونةٍ لذيذة.

توقف أمامي والثقة تتشرنق في كل ميليمترٍ من جسده ونصفُ إبتسامةٍ على ثغره، حتى أنحنى بلينٍ نحوي وهمس : " مرحباً ياصغيرة " .

قبضتُ عيناي ثم أطلقت شهقةً خرساء عساي أشم بعضاً من طيف رائحته ..

جلس بجانبي وألتفت بإبتسامةٍ ساخرة :"هل لي بالجلوس آنستي"؟؟!!

فتوقفت السيارات عن عزفها المجنون.. وتمتمت الأرصفة و الأسمنت تعويذاتٍ أخفت كل من فيها عداي أنا وهاذا الرجل ومقعد الإنتظار.. وأنزلقت الشمس إلى حضن المدنية تترقب رجلاً يأتي من على بعد سبعة أعوام ..

أنطلقت مني إبتسامةٌ طائشة تستشعر دفئ موقدٍ يشتعل في كف هاذا الرجل ،وعندما كانت كلماتي تتغمغم في مقدمة لساني ،أخرج من جيبه دفتراً تنوس فيه حكاينا القديمه . قرأ عليا بعضاً منها.. وكل قلبي أذانٌ صاغية .. صمت فجأةً وعانق عيناي بأهدابه حتى أنبت إبتسامة من عتب على شفتي وأخذ دفتره ومضى من حيث أتى دون وداع..

"لماذا يا رجلاً يستيقظ حتى في منامي ليخلق شعوراً قضت عليهِ سبعة أعوام في المرةِ والمرتين والثلاث وحتى العشرين والألف .. ماذا بك تباغتني فتصهر أحاسيسي كتلةً وديعة بلا عنوان لتقذف بها برهةً على مرفأ الزمن حيث تشاء ثم تعود بها حيث كانت مقترحاً ألآف العناوين لها في صندوق حاضري؟؟!!"