الصورة النمطية للشاب البلطجي في مصر واللي خلقت ثنائية ما بين ابن البلد الجدع صاحب صحبه والألماني مغني التكاتك وقدوه شباب العشوائيات وسبب فساد كل صغيرة وكبيرة في المجتمع وهو من أكل الجبنة.
هرج ونقاشات وهجاء وشجب وتحليل ومرج وتفعيل وحوقله.
وغفلت ذاكرة المجتمع البصرية عن تسجيل تفاصيل حياة الشباب العادي الذي يشكل جزء لا يستهان به من كتله شباب المصري اللي ليس ورائه شغلة ولا مشغلة.
المهم، لنتكلم فيما نعرف... في ايام الشباب والتشرد من اواسط التسعينات حتى ثقب نهاية العقد الأول من الألفية الثالثة الأسود. في أيامنا لم يكن هناك وجود للأنترنت ولم يكن التلفزيون بقنواته الثلاث يقدم ما يكفي من الهلس للجلوس امامه في المنرل، ولذلك كانت معظم الحياة في فراغ الشارع. وكمراهق تسعيناتي من الطبقة المتوسطة أعيش في حي من أحياء الأسكندرية الحديثة نسبياً بعيداً عن ضخب البلد وضجيجها أجد ان تجربتنا وحياتنا لم تجد من يسجلها او يأرخ لها بمحاسنها وعيوبها، فالسكندري في الذاكرة المصرية واحد بيقوا ايوه يا جدعان وسيدات تقول احيه و شعب يدعوا الفلافل بأسمها ومش بيقول طعميه وعليه، لنحاول ان نلقي نظرة على مراهيق وشباب سكندري ممن صالوا وجالوا في شوارع احياء الأسكندرية الهادئة.
بحكم الطبيعة والجغرافيا كان للمراهق فينا عدد من الشلل، فمنا من كان يذهب لمدارس مختلفة منها الخاص والدولي وخارج حدود الوطن، لكن السواد الأعظم ارتاد مدارس حكومية توزعت في انحاء الحي، ولذا كان هناك شلة الشارع وشلة المدرسة وشلة التمرين أن وجد.
وعليه، كان كل شب ينتمي لتلك الشله لا يفارقها... في فترات الدراسة كانت المشاكل من نوع غريب، في معظم الأحيان تبدأ العركة وتنتهي ولا يدري أي من اطارفها منين يودي على فين ومين ابن مين.
اذكر في مرة كنت انا من بدأ العركة، ولإن الأمر جلل... تم تحديد ميعاد للعركة وقضيت النهار كله بين شرق حي سموحة وغربه من قهاوي لجراچات لكل مدفن ومخبأ واخذتني الجلالة في حشد القوات، ولما وصلنا موقع المعركة كان الحشد ضخم وقد نسى كل منا احنا متجمعين كدا بربطه المعلم وجاين هنا نعمل ايه! !
اقترب الجمعان وكانت قواتنا بقياده عمرو "الطويل" وكانت الطويل كنايه عن طوله وكنتيجه طبيعية لوجود عمرو اخر في الشلة ولكنه عمرو "الصغير". المهم كان هناك ميدو الطويل وميدو القصير وكان في بعض الأحيان موقع سكنك هو كنيتك. فكان عندنا حسام بتاع الشارع اللي ورا وعلاء أخر الشارع وهلوم جرا. .. ولربما الأتعس حظاً بين كل هؤلاء كان طه زميل الدراسة وكان اخذ لقب طه "التخين" حين انضم لفصلنا الدرسي، ولأن فصلنا كان فيه طه آخر كانت العلامة الفارقة بينهما هي الرق الجثماني الشاسع بين الطه بتاعنا والطه الجديد.
بدأت المعركة بخلاف حول اسبقيه القفز من على سور المدرسة، وبدال مل نتعارك عالسور ونتقفش كلنا قررنا تأجيل العركة لما بعد الأفطار وحشد الحشود وخلافه.
بعد الهبوط اتجهت في جمع من الشباب الي محطتنا الأولى... السايبر؛ حيث كان معظم المزوغين يبدأون يومهم بساعة او اثنتين يقضيهما اما في التخبيط في حواري الأنترنت بين الياهو شات وال ام اس ان او في ضرب النار وتفجير الأوكار في كاونتر سترايك ومتاهات طريق الحرير في "سيلك رود".
وانتشر في انحاء الحي عدد من ما اطلقنا عليه في حينا "الكمبيوتر" وبطبيعة الحال تطور لدينا تصنيف لتلك الأماكن...فمنهم من كان متخصص في الألعاب حسب انواعها... جماهير الفيفا لا تخطلت بجماهير ادسيلك رود والكاونتر استرايك، وكان هناك من هو متخصص في الأنترنت ولا يقدم العاباً.
وكان موقعنا المفضل في حينها اقدمهم ففي بداية الألفينات كان المكان اول من بدأ بيع الحاسبات وتقديم خدمات الأنترنت وكان واضح ان صاحب المكان صارف ومكلف وحين كنا اطفال كان المرور من امام المكان بمثابة نظرة للمستقبل فالديكورات الخارجية كانت من النيون البنفسجي وزجاج تكسوه ستائر زرقاء قاتمه ولافتات باللغة الانجليزية على خلاف المعهود وقتها... ولكن مع مرور الزمن ودخول التكنلوجيا للمنازل المصرية، فقد المكان رونقه شيئاً فآخر حتى أضطر صاحب المكان لتحويله لمجرد إيجار لأجهزة الكمبيوتر بالساعة... امتاز المكان بوجود أجهزة متقدمة نسبياً وموقع معزول ولكن في قلب سموحة وكان صاحب المكان قد تجاوز عتبه الشباب ولا يبالي، يفتح صالة اجهزة الكمبيوتر في تمام الثامنة، ويجلس في ركن منعزل لا ترى سوى دخان سيجارته.
اتجهنا هناك وصحبنا من وجدنا لينضم للقوات المتحفزة للمعركة المنتظرة وكانت محطتنا التالية صالة البلياردو، لم تكن لدينا رفاهية افلام الألفينات من حجرات كبيرة تحت الأرض وبار مان وعلاء ولي الدين يطلب عصير حركات، ولكن طبيعة الحي قيدت شكل الأنشطة التجارية فالحي الكبير عبارة عن بلوكات متماثلة من عمارة الثمانينات الذكية والأقتصادية في نفس ذات الوقت، كانت البلوكات تتألف من ثلاثة عمارات متماثله تطل كل منها على حديقة من جانب واحد على الأقل، كل شقة غرفتين وصالة فسيحة ملحق بها بلكونة تجسيد عملي لتوجه الدولة نحو الاسرة الصغيرة وتحديد النسل، ولكن بطبيعه الحال في مصر حين نمت العائلات وزادت، انتشر في الحي موضة تعديل الشقق بضم البلكونات الي الشقق وتركيب التكيفات.
كان الحي مخصص للأغراض السكنية فقط بنظام التعاونيات، ولكن لطبيعة موقعة بين من قلب المدينة القديمة و مراكز التسوق والترفية الحديثة، سكن الحي موظفين شركات البترول والتأمين والأسمدة والبنوك وما كان عصب الأقتصاد السكندري في وقتها. ولكن في بداية الألفينات انتشر تحويل الأدوار الأرضية الي انشطة اقتصادية، تحول معظمهم الي المشروع المصري المفضل وقتها "سوبر ماركت" وكان هناك انشطة آخرى كالأتصالات والتجميل وحتى مكاتب حكومية.
كانت صالة البلياردو عبارة عن صالتين متجاورتين من الطابق الأرضي في احد الآبنية نصف شغلته طاولة بلياردو ونصف احتلته طاولة بنج بونج. بدأ المكان ك حضانة للأطفال ولكن المشروع فشل سريعاً وتم خلع الابواب والشبابيك وهدم الحوائط الخارجية ووضع الطاولات... كنا تأخرنا وكان معظم من نعرفهم ممن يعتبروا كبار القوات قد حط رحاله في قهوة مشبوهه بدون اسم احتلت الطابق العلوي من مبنى خدمات من طابق واحد.
كان السوق التجاري الصغير ونظيره الكبير مركز كافه الأنشطة في الحي منذ نشأته وحتى اواخر الألفينات. حين قررت عائلة زهران اضافة نشاط جديد في مركز نفوذهم في الرقعة الواصلة بين حي سموحة و سيدي جابر. امتلك آل زهران مدرسة ومكاتب وشركات وعمارات، وكان خاتم العنقود بنى زهران أول مول تجاري في سموحة وبفضله تحول السوق التجاري الكبير الي زهران اصطلاحاً. وفقد السوق التجاري الصغير رونقه وتغيرت طبيعة النشاطات فيه، فتحول المكان لعدد من الاوكار والغرز والمحال التجارية في خليط مميز من عشوائيه الألفينات وانضباط الثمانينات.
"كانت القهوة معروفة فيما بيننا ب "فراي داي" ولكي تصل اليها عليك الصعود من سلم غاية في الأتساع تشغله عدد من قطع الأخشاب والخرده وما لز وطاب من المخلفات... لذلك كان اجتيازك لكل تلك العوائق يعني انك تعرف ماذا تفعل ووفر حماية من شرود اي أغراب للمكان.
هناك وجدنا بين دخان السجائر الكثيف وادخنه الشيشة عمرو الطويل ومعه كبار رجال الشارع الميدوهان وعبدالله الكبير "حجماً وليس سناً" لم نحتاج لأي اقناع ف سريعاً ترك كل منهم ما يستنشقه واتجهنا صوب المدرسة الأعدادية حيث الموقعة المنشودة... عندها كان سبب الشجار بفعل تزايد الحشود والرغبة في توفير غطاء معنوي لتبرير العركة قد تطور لأنه العيال دي اغراب ومش من المنطقه ولازم نمشيهم.
لم يتوقف اي منا للتفكير في سذاجة الأسباب وكون العيال دي بتروح المدرسة عندنا كل يوم.
المهم ضمت حشود فراي داي واحد مش من شلتنا اسمه جرندايزر، نسبه لربوت الرسوم المتحركة المعروف وقتها. وكان جرندايزر اسم على مسمى... ضخم الجثة عريض المنكبين شلولح... في تالتة اعدادي ولكن مظهرة يوحي برجل في منتصف الثلاثينات لا يميزه سوى الزي المدرسي بلونه الأزرق. كنا على ثقة بالفوز في المعركة فقواتنا غفيرة ومعانا جرندايزر.
وصلنا للشارع الخلفي حيث المدرسة وكان الاعداء قد ملوا الأنتظار وانخرطوا في مبارة كرة قدم، وحين وصلنا اتجهت بكل ثقة ناحية الواد سبب العركة وركلته من الوضع طائراً وبدأ القتال... خدنا علقة محترمة يومها لأن أحنا كنا منظر بس من غير اي ثقل وكانت طبيعة وجودنا في حينا الأمين جعلتنا نغتر بمظهرنا وننخدع في قوتنا الحقيقية في مواجهة عيال أشباح من شارع الجواهر.
اثرت الهزيمة على موقعي في شلة الشارع وحماس الحشود للأشتراك في اي من معاركي المستقبلية، لكن طلعت من اليوم بمعرفة جرندايزر والي اتسحلت معاه في اتفه حوارات البلطجة الفافي وايام السنكحة في چراجات العمارات ولكن هذا حديث آخر.