رغم الأزمات التي تعصف بحياة المصريين وتهدد وجودهم لمئات سنين قادمة، فما يزالون يصرون على أن بلدهم محروسة، بل يصرون على أنها لا تحرسها الملائكة فحسب، يعنون بذلك أنها تحت الوصاية المباشرة من الله عز وجل. أي نقل عن الله تعالى يحتاج إلى دليل شرعي وليس بالأهواء العقلية ولا الدعاية الإعلامية ولا ما استقر في أذهان العامة ويروجه علماء السوء، وفي هذا المقال سنفد بعض الأسانيد الموضوعة والضعيفة وغير الصحيحة التي يظن بها كثيرون أن مصر فعلا محروسة.
قصص من السيرة لا تصح
يورد بعض القصاص أن نوحا عليه السلام عندما ركب السفينة طاف ببلدان الدنيا، فوجد على كل بلد نفر من الملائكة يحرسونها إلا مصر، فلما سأل ربه عن ذلك أخبره أنه تولى حراسة مصر بنفسه. هذه القصة ليس لها أصل، ولم يذكرها أحد من أهل العلم بإسناد أو من غير إسناد، غير أن السيوطي قال في "حسن المحاضرة”(1/33):”وذكر بعض من ألف في أخبار مصر أن سفينة نوح طافت بمصر وأرضها، فبارك نوح عليه السلام فيها". انتهى، هكذا أورده السيوطي بلا سند، ولم يذكر أمر الحراسة.
وقد روي عن ابن عباس، أن نوحا عليه السلام دعا لمصر بالبركة، إلا أن إسناده ضعيف.
وأخرج ابن عبد الحكم في ”فتوح مصر”(ص27)، من طريق عثمان بن صالح، حدثنا ابن لهيعة، عن عيّاش بن عبّاس القتبانىّ، عن حنش بن عبد الله الصنعانىّ، عن عبد الله بن عبّاس: ”أن نوحا دعا لولد ولده، وهو مصر بن يبصر بن حام فقال:(اللهمّ إنه قد أجاب دعوتي؛ فبارك فيه وفى ذرّيّته وأسكنه الأرض المباركة، التي هي أمّ البلاد، وغوث العباد، التي نهرها أفضل أنهار الدنيا، واجعل فيها أفضل البركات، وسخّر له ولولده الأرض، وذلّلها لهم، وقوّهم عليها)، وإسناده ضعيف، فيه ابن لهيعة، وكان قد اختلط، فحديث القدماء من أصحابه حسن، وعثمان بن صالح ليس من قدماء أصحابه، بل حديثه عن ابن لهيعة منكر.
وذكر الذهبي في ”ميزان الاعتدال”(3/40) فقال: ”قال سعيد بن عمرو البردعى: قلت لأبي زرعة: رأيت بمصر نحوا من مائة حديث عن عثمان بن صالح، عن ابن لهيعة، عن عمرو بن دينار، وعطاء، عن ابن عباس: عن النبي صلى الله عليه وسلم، منها: لا تكرم أخاك بما يشق عليه، فقال: لم يكن عثمان عندي ممن يكذب، ولكن كان يكتب مع خالد بن نجيح، فبُلوا به، كان يملى عليهم ما لم يسمعوا من الشيخ” انتهى.
أحاديث موضوعة حول حراسة الله لمصر
ومن ذلك: مِصْرُ كِنَانَةُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ، مَا طَلَبَهَا عَدُوٌّ إِلا وَأَهْلَكَهُ اللَّهُ، وهذا الحديث لا أصل له، وليس له إسناد، قال العامري في” الجد الحثيث فيما ليس بحديث” (456)، والشيخ الألباني في” السلسلة الضعيفة” (888):” لا أصل له”. انتهى
ومن ذلك: أهل مصر الجند الضعيف، ما كادهم أحد إلا كفاهم اللَّه مؤونته، وهذا عزاه السخاوي في” المقاصد الحسنة” (1029) إلى ابن يونس في تاريخه، ولم يذكر له إسنادا، وكتاب ابن يونس مفقود، والمطبوع منه مجمع من بطون الكتب، مما نُقل عن ابن يونس، وليس فيه ذلك.
ومن ذلك: مصر خزائن الأرض كلها، فمن أراد بها سوءاً قصمه الله، وهذا عزاه ابن تغري بردي في” النجوم الزاهرة” (1/31) إلى كعب الأحبار فقال: ”وقال كعب الأحبار: في التوراة مكتوب: مصر خزائن الأرض كلها، فمن أراد بها سوءاً قصمه الله". انتهى
وأصح ما ورد في فضل مصر، ما أخرجه مسلم في” صحيحه” (2543)، من حديث أبي ذَرٍّ، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أَرْضًا يُذْكَرُ فِيهَا الْقِيرَاطُ، فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا، فَإِذَا رَأَيْتُمْ رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ فِي مَوْضِعِ لَبِنَةٍ، فَاخْرُجْ مِنْهَا.
وكثيرا ما يَطْرُقُ أسماعنا استشهاد بعضهم وعن عمر بن العاص حدثني عمر أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - يقول: (إذا فتح الله عليكم مصر بعدي فاتخذوا فيها جنداً كثيفاً، فذلك الجند خير أجناد الأرض) قال أبو بكر: ولم ذاك يا رسول الله؟ قال: (إنهم في رباط إلى يوم القيامة).وهذا الحديث لا يوجد في شيء من كتب الحديث التسعة المشهورة لدى علماء السنة النبوية الشريفة، والتي تعتبر أهم المراجع وأوفاها وأشملها للحديث وهي: الصحيحان (البخاري ومسلم) والسنن الأربعة (سنن الترمذي والنسائي وأبي داوود وابن ماجه) ومسند أحمد وموطأ مالك وسنن الدارمي. وإِنَّمَا جاء في بعض كتب التاريخ، ومنها: كتاب فتوح مصر لابن عبد الحكم (المتوفى: 257هـ)، وتاريخ دمشق لابن عساكر (المتوفى: 571هـ)، وقد ورد بِإِسْنَادَيْنِ تالفين، يَعْلم من له أدنى صلة بعلم الجرح والتعديل أَنَّ رجالهما ما بين ضعيف ومجهول، ومِنْ ثَمَّ لم يصححه مُعْتَبَرٌ من أهل الصَّنْعَةِ، بل حَكَمَ عليه بعضهم بالضعف الشديد، ومنهم من حكم عليه بالوضع.
الحديث الذي ذكره الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في الصحيحة (7/ 1/307) (الله الله في قبط مصر، فإنكم ستظهرون عليهم، ويكونون لكم عدة وأعوانا في سبيل الله) قال الشيخ رحمه الله: هذا إسناد صحيح ولا اعلم له علة. أقول: هذا كلام غير صحيح، ولعل الشيخ رحمه الله تعالى اقتصر على بعض الكتب المختصرة في الرجال ولم يراجع المطولات علته: أن هذا الحديث ليس من حديث جرير بن حازم عن يحيى بن أيوب بل هو من حديث جرير بن حازم عن ابن لهيعة وابنه وهب قد اشتبهت عليه نسخة أبيه عن ابن لهيعة بنسخته عن يحيى بن أيوب فرواها عن يحيى وأحاديث جرير بن حازم عن يحيى بن أيوب ليس عند المصريين منها حديث وهي تشبه عندي أن تكون من حديث بن لهيعة والله أعلم.
وقد ذكر ابن حجر في هدي الساري (ص 450) بعد أن ذكر كلام أبي داود وابن يونس قلت (ابن حجر): ما أخرج له البخاري من هذه النسخة شيئا ا. هـ وهذا على سبيل الاختصار وإلا فإن بعض الرواة فيهم كلام مثل يحيى بن أيوب الغافقي وجرير بن حازم وخاصة حديثه عن قتادة، وحديثه بمصر والله أعلم وأحكم
وهناك خطأ ثان وقع فيه الشيخ رحمه الله تعالى في هذا الحديث هو أن الحديث جاء عند الطبراني بهذا الشكل (23/ 265) حدثنا زكريا بن يحيى الساجي ثنا بندار ح وحدثنا محمد بن صالح النرسي ثنا محمد بن المثنى قالا ثنا وهب بن جرير ثنا أبي عن يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي سلمة عن أم سلمة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أخرجوا اليهود من جزيرة العرب وبإسناده عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أوصى ثم وفاته فقال الله الله في قبط مصر فإنكم ستظهرون عليهم ويكونون لكم عدة وأعوانا في سبيل الله ومعنى قوله: وبإسناده عنها أي بإسناد النرسى إلى أم سلمة (حدثنا محمد بن صالح النرسي ثنا محمد بن المثنى ثنا وهب بن جرير ثنا أبي عن يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي سلمة عن أم سلمة) وزكريا بن يحيى الساجي عن بندار ليس له دخل في هذا الحديث والشيخ فهم من قول الطبراني: (وبإسناده عنها) أن ذلك بالإسنادين وهذا فهم غير صحيح والصواب أن معناه بإسناد النرسي عن ابن المثنى أي بعد تحويل الإسناد وليس كما فهم الشيخ أنه (بإسناد الحديث السابق) وهذا ما فهمه الهيثمي
وبالتالي فنحن خير أمة إذا قمنا بما كلفنا الله به من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والإيمان بالله، أما التفضيل العنصري، فهذا لا يعرفه الإسلام، بل تعرفه ديانات أخرى كاليهودية مثلا، فتراها ديانة قائمة على تفضيل شعب مختار على بقية الشعوب «الأغيار».
لقد ذُكر في السنة أن جند مصر هم خير الأجناد، والحديث ضعيف كما وضحنا آنفا، ولكن الله قد ذم فى القرآن جيش مصر لأنه كان مواليا لفرعون، قال تعالى: «إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ»، وهذا بأفعالهم أيضا، وليس لمجرد أنهم مصريون.
لذلك أولى بنا أن نحدد المدح والذم بالأفعال، ولا تضحكوا على جنودنا وعلى كل المصريين بأنهم خير الأجناد، بل علموهم أن يكونوا كذلك، ولا توهموهم بأنهم خير الأجناد وإن ارتكبوا أفعال جنود فرعون.
ذكر مصر في القرآن
رغم ذكر مصر في القرآن، فم يكن ذلك مدحًا لها كما يتوهم العامة وكما يروج لذلك بعض الضلال من علماء السلطان، ولم تذكر
ثناء أو بأي إشارة أنها مصونة بقداسة ربانية، وهذه هي المواضع التي ذكر فيها اسم مصر:
(اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ). سورة البقرة 61
(وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ). يوسف 21
(ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ). يوسف 99
(وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا). يونس 87
(وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ). الزخرف 51
(وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (*) وَطُورِ سِينِينَ). التين
وهذا شرح للآيات وتفنيد للادعاءات حولها
قال الله تعالى في سورة البقرة آية 61:
(وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاؤُواْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ)
في هذه آية (مصر) المقصود بها كل مكان له مفتي وأمير وقاض وهي من (أمصار) أي المكان المقتطع بمعنى أنه أي مكان يقطع امتداد الأرض الخلاء وفيه حياة ويسكنه أناس وكون أن المقصود فعلا هو مصر الدولة التي نعيش على الأرض اليوم أم لا فهو على خلاف بين علماء التفسير والخوض في هذا الخلاف ليس موضوع بحثنا.
وعليه ففرضاً أن المقصود في الآية هي مصر التي نعيش فيها الآن فقد كان الأمر بالنزول إلى مصر هو أمر غضب على بني إسرائيل وليس أمر تشريف لمصر
فهنا على ضوء شرح مجمل الآية كان الخطاب الموجه لبني إسرائيل هو أمر بغضب يُذكِر فيه موسى قومه بالذل والهوان والاستضعاف و العبودية التي كان يقاسيها بنو إسرائيل في مصر فيقول لهم إن أردتم ((البصل والثوم والفول والعدس)) فاذهبوا إلى مصر يا من أحببتم الذل والعبودية، وكان مصدر الغضب هو اعتراض بني إسرائيل على طعام المن والسلوى
ويجدر الإشارة إلى أن البصل والثوم والفول والعدس كانت طعام العبيد في مصر خلال هذه الفترة.
قال الله تعالى في سورة يوسف الآية 21 إلى الآية 32
من قوله تعالى (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (*) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (*) وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ) حتى قوله تعالى (... فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (*) قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ.)
هذه الآيات تقصص لنا قصة امرأة العزيز مع سيدنا يوسف ولم تذكر مصر بأي تشريف لها كل ما هنالك أنها ذكرت بأنها المكان الذي يقصده السيارة والمكان الذي باعوا فيه يوسف واشتراه عزيز مصر وأنها المكان الذي ستدور فيه أحداث القصة.
ثم بعد ذلك أشارت الآيات إلى أن نسوة مصر خضن في عرض امرأة العزيز حين تحدثن عن قصتها مع سيدنا يوسف ولكن حين مرّ أمامهم ورأوه فتن به. وحاولن لفت نظره وفعلن ما حاولت امرأة العزيز فعله
أي أن هؤلاء النسوة يقولن ما لا يفلعن. وهذا أمر سيء وممقوت.
وقد قال الله تعالى في شأن ذلك
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)). سورة الصف
فلو قولنا إن مصر ذكرت هنا فذكرها هنا هو بالذم وليس بالمدح فهنا نسوة مصر ارتكبن ذنب عظيم يستوجب غضب شديد من الله.
أضف إلى ذلك شعبنا المصري العظيم لديه عبارة شهيرة لا تفارق مجالسهم (إن كيدهن عظيم) وهي مأخوذة من قوله تعالى في سورة يوسف الآية 28 (قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) وهنا القائل هو العزيز مخاطب زوجته وتلاها في سياق الآيات ذكر (كيد) النسوة الآخرين اللواتي خضن في عرض زوجة العزيز وبعد ذلك حاولن هنّ مغازلة يوسف وهذا يدل على أن الكيد والتدبير والتخطيط للسوء من صفات نسوة مصر.
قال الله تعالى في سورة يوسف الآية 99 إلى الآية 100
(فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ (*) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)
.
هنا مَن القائل، ومن المخاطب؟
القائل: سيدنا يوسف
والمُخاطب بذلك:
(أبوه وأمه) أو (أبوه وعمته)
والخطاب هنا كان مخصص لأبويه وليس للعامة
و الأمن المقصود هنا هو الأمن من المجاعة التي كانت تعانيها مصر والشام وهي السبع العجاف
وعليه فليس المقصود كما يردد الناس أن المقصود من (ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ) أن مصر محفوظة أو مصونة أو مقدسة أو أياً مما يردد أصحاب التفسيرات المزيفة للآيات القرآنية بناء على رغباتهم.
والأمن من المجاعة ليس لقداسة في مصر. فالآيات قد بينت أن مصر نجت من المجاعة بفضل حسن إدارة سيدنا يوسف للبلاد.
قال الله تعالى في سورة يونس الآية 87
(وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)
المقصود هنا في الآيات ليس فيه أي مدح لمصر وإنما ذكرت في الآيات باعتبارها الأرض التي يقف عليها موسى ومحل دعوته الذي أرسله الله إليه. وهنا أمر من الله لموسى وأخيه هارون بأن يستمرا في الدعوة سراً في البيوت وإقامة الشعائر خفية عن قوم فرعون حتى لا ينالوا منهم وينكلوا بهم. ثم بعد ذلك أمر الله موسى وأخيه هارون بالهجرة علما بأن أمر الله لموسى عليه السلام بالتواجد في مصر واستكمال الدعوة هو ابتلاء من الله لنبيه وليس رفاهية. وهذا الابتلاء ليعلم الله نبيه التوكل و الصبر على البلاء أي أن مصر موضع ابتلاء وشقاء وليست موضع رفاهية.
ولعل ما يؤكد هذا المعنى ورود ثلاث قصص للأنبياء (موسى – نوح – يونس) في هذه السورة جميعها أتى فيها تأكيد وتوكيد على فضل الصبر والتوكل على الله.
قال تعالى في سورة الزخرف الآية 51 إلى 52
(وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (*) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ)
هنا مصر كذلك لم تذكر بالمدح.
فهنا فرعون يتعالى بكونه حاكم مصر ويصف حجج واهية تثبت ملكه. بعد ان كان عاجزاً أمام الكوارث التي اصابت البلاد ولجأ لموسى ليزيل عنهم الشر ((الطوفان – الجراد – القمل – الضفادع – الدم)) واتبع طلبه بتعهد بأنه ما أن يخلص البلاد من الكارثة انه سيؤمن وأنه سيترك بني إسرائيل وشأنهم.
وهنا في استكمال الآيات نجد أن أهل مصر رغم أن تلك الآيات -أي حل تلك الكوارث التي أحاطت ببلاد كانت على يد موسى - شهدتها أعينهم وأحسوها وعاصروها إلا أنهم صدقوا حجج فرعون الكاذبة وأطاعوه وكذبوا موسى وبذلك يصبحوا خفيفي العقل ومنعدمي التمييز، فأين هو المدح لمصر في الآيات؟
قد يفهم البعض خطأ أن المدح محله الخيرات التي تحدث عنها فرعون ولكن لو كان مدح الله هو بمنح الخيرات وزيادة نعيم الدنيا لكان محمد - صلى الله عليه وسلم – قد رزق من الله غناء فاحش ولكن تلك الخيرات ما كانت الابتلاء من الله وقد دعا يوسف وأمن على دعائه أخيه هارون على فرعون وقومه بأن يزيل الله عنهم هذه الخيرات لأنهم طغوا بها وكفروا بنعمة الله عليهم.
قال تعالى في سورة التين: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (*) وَطُورِ سِينِينَ)
أقسم الله هنا بــ جبل الطور الذي كلم الله فيه موسى عليه السلام. أقسم بالجبل نفسه أقسم بالجبل وحده ولم يقسم بالمكان الذي وجد فيه الجبل. فلو تحدثنا عن قدسية أو قداسة فمحلها الجبل نفسه.. الجبل وحده وليس مكان وجوده
فما كان ليمنع الله حين اقسم – ولله أن يقسم بما شاء - أن يقسم بالمكان وبالجبل معا! أو أن يقسم بالمكان دون الجبل فيستوعب القسم المكان والجبل.
نخلص من كل ذلك إلى أن جاهل أو مدعي أو كاذب أو مفتري كل من يقول أن مصر مذكورة في القرآن بأي مدح أو على سبيل القداسة أو التقديس أو أنها محفوظة في القرآن أو مصونة مدى الدهر بمعية ربانية
فها هي الآيات وتفسيرها وشرح قصصها لم يرد فيها أي من ذلك
وبهذه السطور قد قامت الحجة على كل من قرأها ويجب أن يكون علم على وجه اليقين أنه مخطئ حين يقول بقداسة مصر قدسية ربانية
واعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كذب عليا متعمداً فل يتبوأ مقعده من النار)
أي أن من يخبر شيئا عن الرسول كذبا أو ينسب له سنة أو حكماً أو أي شيء كذباً فلينتظر مكانه من النار
فان كان ذلك بالنسبة لنبي ورسول فما بالك بمن ينسب إلى رب العالمين شيئا كذبا.
مصر في التاريخ
تنافض مقولة مصر محروسة مع الاحتلال الذي عاشه المصريون طيلة تاريخهم من هكسوس ثم أشوريين ثم فرس ثم يونانيين ثم بطالمة وبعد الفتح الإسلامي احتلها الفرنسيون ثلاث سنوات ثم حكمها محمد علي وعسكره الألبان ثم احتلتها بريطانيا أكثر من سبعين عاما.
ومما يقيم الحجة على أن مصر ليست محروسة هو ما حدث أثناء الشدة المستنصرية فلم تقتصر معاناة البلاد على اختلال الإدارة والفوضى السياسية، فجاء نقصان منسوب مياه النيل ليضيف إلى البلاد أزمة عاتية. وتكرر هذا النقصان ليصيب البلاد بكارثة كبرى ومجاعة داهية امتدت لسبع سنوات متصلة (457هـ - 464هـ / 1065م - 1071م)، وسببها ضعف الخلافة واختلال أحوال المملكة واستيلاء الأمراء على الدولة، واتصال الفتن بين العربان وقصور النيل، فزاد الغلاء وأعقبه الوباء، حتى تعطلت الأرض عن الزراعة، شمل الخوف وخيفت السبل برًا وبحرًا.
وقد تخلل تلك المجاعة أعمال السلب والنهب وعمت الفوضى، واشتدت تلك المجاعة حتى لم يجد فيها الناس شيئا يأكلوه فأكلوا الميتة والبغال والحمير، وبيع رغيف الخبز الواحد بخمسين دينارًا.
وذكر ابن إياس من العجائب التي لا يصدقها عقل زمن تلك المجاعة، ومنها: أن الناس أكلوا الكلاب والقطط، وكان ثمن الكلب الواحد خمسة دنانير والقط ثلاثة، وقيل كان الكلب يدخل البيت فيأكل الطفل الصغير وأبواه ينظران إليه فلا يستطيعان النهوض لدفعه عن ولدهما من شدة الجوع والضعف، ثم اشتد الأمر حتى صار الرجل يأخذ ابن جاره ويذبحه ويأكله ولا ينكر ذلك عليه أحد من الناس، وصار الناس في الطرقات إذا قوى القوى على الضعيف يذبحه ويأكله.
وذكر كذلك أن طائفة من الناس جلسوا فوق أسقف البيوت وصنعوا الخطاطيف والكلاليب لاصطياد المارة بالشوارع من فوق الأسطح، فإذا صار عندهم ذبحوه في الحال وأكلوه بعظامه.
ويروي إياس أن وزير البلاد لم يكن يمتلك سوى بغل واحد يركبه، فعهد بالبغل إلى غلام ليحرسه، إلا أن الغلام من شدة جوعه كان ضعيفًا فلم يستطع أن يواجه اللصوص الذين سرقوا البغل، وعندما علم الوزير بسرقة بغله غضب غضبا شديدا، وتمكن من القبض على اللصوص، وقام بشنقهم على شجرة، وعندما استيقظ الصباح وجد عظام اللصوص فقط؛ لأن الناس من شدة جوعهم أكلوا لحومهم.
وقيل: إنه كان بمصر حارة تعرف بحارة الطبق، وهي معروفة بمدينة الفسطاط، كان فيها عشرون دارا، كل دار تساوي ألف دينار، فبيعت كلها بطبق خبز، كل دار برغيف، فسميت من يومئذ بحارة الطبق.
وذكر ابن الأثير أنه اشتد الغلاء، حتى حكي أن امرأة أكلت رغيفا بألف دينار، وباعت عروضا تساوي ألف دينار بثلاث مائة دينار، فاشترت بها شوالًا من القمح، فانتهبه الناس، فنهبت هي منه، فحصل لها ما خبز رغيفًا.
وذكر سبط ابن الجوزي في مرآة الزمان أن امرأة خرجت ومعها قدر ربع جوهر من اللؤلؤ، فقالت من يأخذ مني هذا الجوهر ويعطيني عوضه قمحًا؟! فلم تجد من يأخذه منها. فقالت: إذا لم تنفعني وقت الضائقة فلا حاجة لي بك، وألقته على الأرض وانصرفت. فالعجب أن ظل اللؤلؤ مرميًا على الأرض ثلاثة أيام ولم يوجد من يلتقطه!!
ويروي المقريزي أن سيدة غنية من نساء القاهرة ألمها صياح أطفالها الصغار وهم يبكون من الجوع فلجأت إلى شكمجية حليها وأخذت تقلب ما فيها من مجوهرات ومصوغات ثم تتحسر لأنها تمتلك ثروة طائلة ولا تستطيع شراء رغيف واحد. فاختارت عقداً ثميناً من اللؤلؤ تزيد قيمته على ألف دينار، وخرجت تطوف أسواق القاهرة والفسطاط فلا تجد من يشتريه.
وأخيرًا استطاعت أن تقنع أحد التجار بشرائه مقابل كيس من الدقيق، واستأجرت بعض الحمالين لنقل الكيس إلى بيتها، ولكن لم تكد تخطو بضع خطوات حتى هاجمته جحافل الجياع، فاغتصبوا الدقيق، وعندئذ لم تجد مفرًا من أن تزاحمهم حتى اختطفت لنفسها حفنة من الدقيق وحزنت لما حدث من الجماهير الجائعة، فعكفت على عجن حفنة الدقيق وصنعت منها أقراصاً صغيرة وخبزتها ثم أخفتها في طيات ثوبها، وانطلقت إلى الشارع صائحة: الجوع الجوع. الخبز الخبز. وألتفت حولها الرجال والنساء والأطفال وسارت معهم إلى قصر الخليفة المستنصر، ووقفت على مصطبة ثم أخرجت قرصاً من طيات ثوبها ولوحت به وهي تصيح:”أيها الناس، فلتعلموا أن هذه القرصة كلفتني ألف دينار، فادعوا معي لمولاي المستنصر الذي أسعد الله الناس بأيامه، وأعاد عليهم بركات حسن نظره، حتى تقومت عليَّ هذه القرصة بألف دينار!!".
وقُبض على رجل كان يقتل النساء والصبيان ويبيع لحومهم ويدفن رءوسهم وأطرافهم، فقُتل. واشتد الغلاء والوباء حتى أن أهل البيت كانوا يموتون في ليلة واحدة، وكان يموت كل يوم على الأقل ألف نفس، ثم أرتفع العدد إلى عشرة آلاف وفي يوم مات ثماني عشرة ألفًا.
وحكى أن المستنصر أخرج جميع ما في الذخائر فباعها، ويقال إنه باع في هذا الغلاء ثمانين ألف قطعة من أنواع الجوهر المثمنة وخمسة وسبعين ألف قطعة من أنواع الديباج المذهب وعشرين ألف سيف وأحد عشر ألف دار، وافتقر الخليفة المستنصر حتى لم يبق له إلا سجادة تحته وقبقاب في رجله.
وكان المستنصر في هذه الشدة يركب وحده، وكل من معه من الخواص مترجلون ليس لهم دواب يركبونها، وكانوا إذا مشوا تساقطوا في الطرقات من الجوع، وكان المستنصر يستعير من ابن هبة صاحب ديوان الإنشاء بغلته ليركبها صاحب مظلته، وآخر الأمر توجهت أم المستنصر وبناته إلى بغداد من فرط الجوع، وذلك في سنة 462هـ، وتفرق أهل مصر في البلاد وتشتتوا.
وكان المستنصر يتحمل نفقات تكفين عشرين ألفًا على حسابه، حتى فني ثلث أهل مصر، وقيل إنه مات مليون وستمائة ألف نفس، ونزل الجند لزراعة الأرض بعد أن هلك الفلاحون.
وقال ابن دحية في كتاب النبراس: ”وخرّبت القطائع التي لأحمد بن طولون في الشدة العظمى زمن الخليفة المستنصر العبيدى أيام القحط والغلاء المفرط الذي كان بالديار المصرية، وهلك من كان فيها من السكان، وكانت نيفا على مائة ألف دار". وخربت كذلك مدينة الفسطاط حتى كانت خرابًا.
وإذا أردنا أن نعرف كيف يكون صلاح مصر فعلا وكيف تنهض من عثرتها فقد وصف علاجها الليث بن سعد فقيه مصر فعن عبد الله بن صالح قال: سمعت الليث بن سعد يقول: لما قدمت على هارون الرشيد قال لي: يا ليث ما صلاح بلدكم؟ قلت: يا أمير المؤمنين صلاح بلدنا بإجراء النيل وإصلاح أميرها، ومن رأس العين يأتي الكرم فإذا صفا رأس العين صفت السواقي، فقال: صدقت يا أبا الحارث! وهذا كقول عمر بن عبد العزيز: السوق يؤتى إليها ما ينفق فيها.
(حلية الأولياء لأبي نعيم جـ 7 صـ 322).
هل الأمن للبلدان مُطْلَق
وحينما نقارن الآيات التي تتكلم عن الأمن في مصر الذي يدعي بعض الناس أنه ذُكر لأهل مصر مع بيت الله الحرام الذي قال رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: يبايَعُ لِرَجلٍ بينَ الرُّكنِ والمقامِ، ولن يَستَحلَّ البيتَ إلَّا أَهْلُهُ، فإذا استحلُّوهُ، فلا تسأَلْ عن هلَكَةِ العرَبِ؟ ثمَّ تأتي الحبَشةُ فيُخرِّبونَهُ خرابًا لا يُعمَرُ بعدَهُ أبدًا، وَهُمُ الَّذينَ يستخرِجونَ كنزَهُ .
وهذا لا يتعارض مع قول الله تعالى: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا} [القصص: 57]؛ لأن السنة شارحة للقرآن ومبينة لها، فقد ذكر الإمام الحافظ بن حجر أن ذلك محمول على أنه يقع في آخر الزمان قرب قيام الساعة حيث لا يبقى في الأرض أحد يقول: الله الله، كما ثبت في صحيح مسلم: لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله. ولهذا وقع في رواية سعيد بن سمعان: لا يعمر بعده أبداً.
وقد وقع قبل ذلك فيه من القتال وغزو أهل الشام له في زمن يزيد بن معاوية، ثم من بعده في وقائع كثيرة أعظمها وقعة القرامطة بعد الثلاثمائة فقتلوا من المسلمين في المطاف من لا يحصى كثرة، وقلعوا الحجر الأسود فحولوه إلى بلادهم ثم أعادوه بعد مدة طويلة، ثم غزي مراراً بعد ذلك، كل ذلك لا يعارض قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً [العنكبوت:67]. لأن ذلك إنما وقع بأيدي المسلمين. فنصر الله لأهل الإيمان مشروط بنصرهم لدين الله واستجابتهم لأمره سبحانه.
وقيل أنَّ المعنى أن سيكون آمنا من فتنة الدجال وهو عندما استحله أهله ولم يقدروا نعمة الله سيتم هدم الكعبة وكما قال رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: يبايَعُ لِرَجلٍ بينَ الرُّكنِ والمقامِ، ولن يَستَحلَّ البيتَ إلَّا أَهْلُهُ، فإذا استحلُّوهُ، فلا تسأَلْ عن هلَكَةِ العرَبِ؟ ثمَّ تأتي الحبَشةُ فيُخرِّبونَهُ خرابًا لا يُعمَرُ بعدَهُ أبدًا، وَهُمُ الَّذينَ يستخرِجونَ كنزَهُ .
وقيل أن هذا هو خبر مراد به الأمر للمُسلِمينَ أنْ يُؤمِّنوا النَّاسَ، ولا يَتَعرَّضوا لأحَدٍ مثل قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ..} الآية:228
فعندما استحل البيت أهله كما بنص الحديث هلكوا وتم حدوث خراب البيت فما بالنا بما دونه من البلدان، فنصر الله لأهل الإيمان مشروط بنصرهم لدين الله واستجابتهم لأمره سبحانه وتعالى وليس بالشعارات الجوفاء، وكما قال الله تعالى: (فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ) [الحج:45].
المصادر:
- المقريزي: المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى، 1418هـ.
- المقريزي: إغاثة الأمة بكشف الغمة، تحقيق: كرم حلمي فرحات، عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، مصر، ط 1، 1427هـ - 2007م.
- ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، الناشر: وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دار الكتب، مصر.
- ابن خلكان: وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق: إحسان عباس، الناشر: دار صادر – بيروت، الطبعة الأولى للجزء الخامس 1994م.
- الذهبي: سير أعلام النبلاء، تحقيق: مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة: الثالثة 1405هـ / 1985م.
- ابن إياس: المختار من بدائع الزهور في وقائع الدهور، كتاب الشعب، مطبعة الشعب 1960م.
- ابن الأثير: الكامل في التاريخ، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت – لبنان، الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م.
موقع الإسلام سؤال وجواب
موقع الألوكة د. أحمدعبد المجيد مكي
صفحة Medhat أسلوب حياة على الفيسبوك
التعليقات